في تحليل النص الأدبي (النقد الديداكتيكي)

في تحليل النص الأدبي

(النقد الديداكتيكي)





1/ النقد الأدبي علم متعدد الأبعاد والوظائف. وتاريخ النقد الأدبي يشهد حتى الآن عن حركة دينامكية، وحياة متحولة بحثت باستمرار عن تقويم ذاتها وتصحيح خطواتها بالمراجعة والإضافة والتصحيح. يشتغل النقد الأدبي على واجهتين عامتين: الواجهة الأولى تحليل النص الأدبي من أجل تقييمه، ومنحه القيمة والمكانة التي يستحقها بين النصوص السابقة عليه واللاحقة والمزامنة له. والواجهة الثانية تحليل النص الأدبي من أجل الوقوف على الأبعاد والأهداف والوظائف وآليات تشكل أدبية النص الأدبي.



أما مساراته فمتعددة ومتحولة حسب المدارس والمذاهب النقدية، وهي خلاصة التجربة الحية والمباشرة مع النصوص.



2/ تعددت مدارس النقد الأدبي وتياراته وروافده، والعلوم الحقة والإنسانية التي أمدته بالكثير من الرؤى، والمفاهيم، وأسعفته في مآزق كان يقع فيها كلما جد جديد، وتكسر نمط الحياة (حياة النص الأدبي) الرتيبة. لكن هم النقد الأدبي ظل دائما متقلبا بين ماذا يقول النص الأدبي؟ أو كيف يقول مضمونه ومحتواه ؟ أو إلى من يتوجه النص الأدبي بكل تلك الحمولة؟ وما الهدف من إنتاج النصوص الأدبية؟ ما الغاية من تدريسها؟ وهل النص الأدبي مستقيل، وحيادي، لا يقول إلا ذاته وذات صاحبه؟ وهل هناك من علاقة بين الملفوظ وبين ما صدقه، على حد قول أهل المنطق؟



إن السؤال المعرفي ظل الخلفية الأساس للنقد الأدبي. أي محاولة معرفة أجوبة علمية وثابتة على كل تلك الأسئلة الواردة أعلاه.



3/ في هذه المقالة لن أسترجع الإشكاليات النقدية، والمذاهب والمدارس التي تقلبت على مدار التاريخ على معالجة النصوص الأدبية. لكن يهمني أن أطرح ما يتعلق بالنقد الديداكتيكي. وأعني النقد الأدبي الذي تكون غايته الأساس تبسيط المناهج النقدية في مجال التعليم والتدريس، وتبسيط طرائق تلقي النص الأدبي من قبل فئة مستهدفة محدودة العمر والخبرة من المتلقين. وهي فئة من المتعلمين يهدف النقد الديداكتيكي من خلالها إلى تكوينها على القدرات والكفاءات التالية:



· القراءة السليمة للنص الأدبي.

· التذوق السليم للنص الأدبي.

· تحليل المظاهر التركيبية والبنائية للنص الأدبي.

· تحليل المظاهر الدلالية للنص الأدبي.

· تكوين الرأي النقدي حول النص الأدبي.

· تلخيص واختزال النص الأدبي.

· اكتشاف طرائق تكون النص الأدبي.

· القدرة على تمثل أو إنتاج النص الأدبي.



هذه المراحل / الأهداف العامة للنقد الديداكتيكي. لكن يمكن أجرأتها بفضل خطة (ديداكتيكية) سليمة وواضحة. ثم تعميمها، ومنحها الفرصة والوقت للنضج.



4/ لم يعط النقد الأدبي المغربي للنقد الديداكتيكي كل ما يستحق من عناية. فالدراسات والأبحاث المنشورة في عمومها تخوض في القضايا الكبرى، وفي المفاهيم الصورية المجردة، وتسح سطح النص الأدبي، وتحكم عليه تقويما وتقييما. أو أنها تجزئه وتختزله في مظهر من المظاهر.



الناقد صدوق نور الدين، وفي كتاب صغير الحجم جليل الفائدة، تطرق لهذه المسالة التي نسميها (النقد الديداكتيكي). وطرح عنوانا صعبا، وإشكاليا في النقد الأدبي عموما، وهو: "كيف تحلل نصا أدبيا؟".



يتوزع الكتاب على "مقدمة" وأربعة فصول، وتمارين تطبيقية، ثم مفاتيح للقراءة ومراجع معتمدة في التحليل.



ورغم التنوع الظاهر من أسماء الفصول إلا أن الإشكالية المطروحة ظلت واحدة متماسكة. وهي التي ضمها عنوان الكتاب "كيف تحلل نصا أدبيا ؟" قصيدة شعر، أو قصة قصيرة، أو فصلا من رواية، أو مقالة...لكن الأهم في النقد الديداكتيكي أنه صب اهتمامه على "الكتب المدرسية". وما تحتويه من نصوص أدبية ستكون بمثابة الأرضية التي سيتعرف من خلالها على دنيا الأدب. وهنا مكمن الإشكال. فكيف تختار هذه النصوص الأدبية؟ وكيف يتم تدريسها؟ وكيف يتم تلقيها؟ ومن سيقوم بذلك العمل الجليل؟



تقع الكتب المدرسية تحت ضغط مؤثرات خارجية عديدة، منها التوجيهات الرسمية، والسياسة التعليمية عامة. ومنها ثقافة المؤلفين وخبراتهم التربوية والتعليمية. أي الميدانية والنظرية. ومنها المؤهلات الذهنية واللغوية والنفسية والاجتماعية للمتلقين. وكل ما يلحق بهذه المؤثرات الخارجية كالمراقبة التربوية التي تسهر على تطبيق التوجيهات الرسمية والسياسة التعليمية. وشروط اختيار فريق العمل في تأليف المقررات المدرسية، والإمكانيات المحدودة...وسلطة المجتمع وقواه الضاغطة. وهو ما حدث وسيحدث عندما تم مؤخرا اقتراح رواية "محاولة عيش" للراحل محمد زفزاف للتدريس بالقسم النهائي (الثالثة ثانوي إعدادي) وكذلك رواية عبد القادر الشاوي "الساحة الشرفية".



وهذه الحادثة تكشف عن الضغط الذي يمارسه المجتمع، والأفكار المسبقة، عن الكاتب والكتاب، وسوء تقدير قيمة النقد الديداكتيكي، والنقد الأدبي عموما.



5/ لذلك نجد الناقد صدوق نور الدين في كتابه، يولي أهمية كبرى لمسألة اختيار النصوص الأدبية في المقررات المدرسية. ولا يصف الناقد الظاهرة بل ينتقدها ويبرز منزلقاتها الفنية والجمالية وآثارها السالبة على الناشئة.



ويضيف إليها مسالة مهمة جدا تتمثل في ثقافة المؤلفين أولا، والمدرسين ثانيا. وهنا أود أن أمثل بحادثة وقعت تحت عيني، وهي من صميم ما يتحدث عنه الناقد صدوق نور الدين. في مرة قمنا بتنظيم أنشطة تربوية وثقافية بالمدرسة، لصالح التلميذ، وللتشجيع على القراءة، وتقريب الصلة بين التلميذ والكتاب الثقافي. وصادف أن زارت المعرض نائبة وزارة التربية الوطنية وطرحت على أحد الأساتذة / المدرسين سؤالا جوهريا: أين كتب الكتاب المغاربة؟ فأجابها المدرس: تعريف، أن الكتاب المغاربة لا يجيدون الكتابة مثل الكتاب المشارقة. فنظرت نحوي، ولم أجب.



فإذا كان واضعو المؤلفات المدرسية غير نقاد أدب، أو ليسوا من متذوقي الأدب. وإذا كان مدرسو النص الأدبي لا يثقون بقدرات وإمكانيات الكتاب المغاربة، قديمهم ومحدثهم، فكيف ستكون صورة التلميذ ؟



الجواب نلمسه في الواقع. من خلال مستوى القراءة، ونوعيتها.



6/ ولكي لا أطيل، وحتى لا أتناول كل فصل على حدة، وكل قضية ومسألة منفردة، سأخلص إلى مقترحات الناقد صدوق نور الدين، ومنهجيته في تحليل النص الأدبي في المدرسة.



يحدد تودوروف مظاهر تحليل النص الأدبي في المظاهر الثلاثة التالية: المظهر اللفظي، والمظهر التركيبي، والمظهر الدلالي. ويعترف أن هذا التقسيم ليس جديدا تماما. وإنما يختلف باختلاف تسميات وأهداف ومفاهيم كل مدرسة على حدة. ومنها المدرسة الشكلانية التي قسمت تحليل النص الأدبي إلى: الصواتة، والتركيب، ثم الدلالة. وقسمه اللسانيون إلى: الأسلوب، والنظم، ثم الغرضية. أما البلاغة القديمة فقسمت تحليل النص الأدبي إلى: الأداء، والإنشاء، ثم الابتداع.



إنها تسميات مختلفة حول تصور واحد وعام. ولم يخرج عنه الناقد صدوق نور الدين في نماذجه المختارة للتحليل في هذا الكتاب. فعند تحليله للنص الأدبي التالي "نظرة" وهو قصة قصيرة محكمة ليوسف إدريس أجمع عليها النقاد والدارسون. يقترح الخطوات التالية:



وصف النص: ويقول موضحا:" يتعلق وصف النص بتقديم صورة مقتضبة عن نوعيته، كما كاتبة. إذا ما علمنا بأن النصوص الأدبية الحديثة ظلت شبه غائبة عن مقرراتنا الدراسية، اللهم إلا في الآونة الأخيرة، وبنسبة ضئيلة." ص (69).



وهو ما تقترحه التوجيهات الرسمية أيضا في مقترحها لتحليل النص الأدبي، وتسميه "التمهيد" و"التقديم". وتعتمد على التصور التالي، وقد انتقده الناقد صدوق نور الدين في موقع آخر من الكتاب. إن التمهيد يكون شموليا وعاما. يتحدث فيه المدرس عن تعدد مداخل دراسة مضمون النص الأدبي وهي طبعا الشروط والظروف الخارجية. أو سرد بعض الوقائع التي تقود نحو الحديث عن النص ومضمونه.



أما التقديم فيرتبط بالقراءة الأولى للنص. أو اختبار القراءة والإعداد القبلي للتلميذ بالبيت. وهنا فعلا يبدو تداخل بين المرحلتين. وتشابههما كما لاحظ ذلك صدوق نور الدين.



بناء النص: وهو الخطوة الثانية في تحليل النص الأدبي، يقول الناقد:" في هذا المستوى يتم رصد الكيفية التي صاغ وفقها يوسف إدريس قصته القصيرة...ونرمي إلى البناء الفني المعتمد." ص (70).



وفي رأيي أن أهم مرحلة في تحليل النص الأدبي ديداكتيكيا هي هذه. لأن المدرس /المحلل سيقوم بتفكيك مكونات النص والكشف عن آليات اشتغاله، وبالتالي طريقة بناء ليس شكله فحسب بل بناء معانيه. ورغم ذلك نجد في تحليل النص الأدبي في التوجهات التعليمية مغيبا. أو مهملا. على حساب المظهر الدلالي. ماذا يقول النص؟



دلالات النص: وهي الخطوة الثالثة في التحليل. ويروم من خلالها الناقد صدوق نور الدين الوقوف على الأبعاد والوظائف الاجتماعية للنص الأدبي. ونستشف ذلك من الفقرات الموالية للتحليل الدلالي. ويسميها كالتالي: الدلالة الاجتماعية، والدلالة النفسية.



التعليق: والتعليق كما يفهم من تحليل الناقد هو إبداء الرأي النهائي والشمولي حول النص الأدبي الذي تم تحليله.



7/ كما قلت سلفا، لم يختلف الناقد صدوق نور الدين في تحليله للنص الأدبي عن التصور العام والمتفق حوله من قبل جل المدارس والتيارات في النقد الأدبي حتى الآن. لكنه من خلال تلك النظرة يكشف عن صعوبة تحليل النص الأدبي في المدارس. لأن الشروط المحيط بتدريس النص الأدبي لا تساعد على إتمام تلك الغاية السامية. ومنها: الحصص الضيقة، الصبغة الإلزامية لتدريس النصوص المقررة، كثرة النصوص الأدبية، واختلاف المواضيع، ووفرة نوع أدبي وندرة آخر. وتركيز التوجهات التعليمية الرسمية على المظهر الدلالي، دون المظهر التركيبي...وهكذا.



لكن تبقى ضرورة النهوض بالنقد الديداكتيكي مهمة وواجبة. وهنا أدعو النقاد والباحثين للقيام بهذا العمل. والضغط من مواقعهم العلمية والأدبية والثقافية من أجل تحرير هذا القطاع الهام من سلطة الهاجس الأمني. حتى نتمكن من تكوين تلميذ متذوق للأدب، وقارئ شغوف بالكتاب، وربما منتج للأدب. ولهذه الغايات أكبر المجهود الذي يبذله الناقد صدوق نور الدين في هذا الميدان.



* صدوق نور الدين: كيف تحلل نصا أدبيا؟. منشورات القارتين. ط1. 2004م.



محمد معتصم

الناقد الأدبي

المغرب

سلا/ 11.12.2005م