http://alrakrak.ba7r.org


انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

http://alrakrak.ba7r.org
http://alrakrak.ba7r.org
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
المواضيع الأخيرة
» عريش وديكورات تصاميم و صور مشبات وتراث بافضل العروض واحدث المسات
من طرف عمل مشب الثلاثاء فبراير 05, 2019 11:13 am

» تجهيز اجنحة معارض - ستاندات سهلة الفك والتركيب
من طرف mohamed berry الأربعاء يناير 30, 2019 10:37 am

» أفضل الطرق لتنسيق ملابس الشتاء للمحجبات
من طرف Ashraf الإثنين نوفمبر 26, 2018 9:37 am

» تعلن شركة ناب للدعاية والاعلان عن توفير ستاندات المعارض والمؤتمرات
من طرف mohamed berry الأربعاء أكتوبر 31, 2018 12:24 pm

» رول اب ستاند roll up stand
من طرف mohamed berry السبت أكتوبر 13, 2018 10:07 am

» ستاندات معارض ومؤتمرات
من طرف mohamed berry الإثنين يوليو 30, 2018 9:59 am

» فيلم الدراما Mary Magdalene 2018 مترجم
من طرف ندى صبرى الخميس يونيو 28, 2018 8:08 pm

» اهمية اتنظيف الخزان للحفاظ على صحة اطفالنا
من طرف nour mousa الجمعة مايو 18, 2018 8:40 am

» خطوات ونصائح لتنظيف منزلك بالكامل سريعا
من طرف nour mousa الجمعة مايو 18, 2018 8:39 am

» الفوائد الصحية للتنظيف بالبخار
من طرف nour mousa الجمعة مايو 18, 2018 8:37 am

دخول

لقد نسيت كلمة السر

احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 1338 عُضو.
آخر عُضو مُسجل هو Mero Mohamed فمرحباً به.

أعضاؤنا قدموا 27286 مساهمة في هذا المنتدى في 4447 موضوع
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم

مايو 2024
الإثنينالثلاثاءالأربعاءالخميسالجمعةالسبتالأحد
  12345
6789101112
13141516171819
20212223242526
2728293031  

اليومية اليومية

أفضل الأعضاء الموسومين
لا يوجد مستخدم

أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر
لا يوجد مستخدم


دراسات في القصة القصيرة والرواية

3 مشترك

اذهب الى الأسفل

دراسات في القصة القصيرة والرواية Empty دراسات في القصة القصيرة والرواية

مُساهمة من طرف Dounia yazidi الجمعة أكتوبر 05, 2012 6:48 am


الشعوب العربية .. في "البرزخ"
=================
عندما ينطفئ الضوء، ولا يستطيع الإنسان رؤية من وما حوله، فإنه ينظر إلي داخله. يتحدث طويلا، وهو يظن أنه يحادث غيره، أو يحادث كثيرين، وهو يظن أنه يحادث نفسه.وإذا كان الإنسان حينها في ضائقة أو ملمة، فإن صخبا يتعالي، وشوشرة تتصاعد، وتتداخل الأصوات. فما بالك بذلك الإنسان في سجن، محبوس بين جدران تكاد تقيض أنفاسه، وما بالك لو أن هذا الإنسان دخل هذا السجن ظلما، أليس الشعور هنا يكون مضاعفا؟ ويكون الإحساس أشد إيلاما، وتكون الأعماق أكثر إضطرابا؟
ولقد امتلآت السجون العربية "بصفة خاصة" بالمظاليم من السجناء السياسيين، وكان أصحاب الرأي والكتاب والمبدعين أكثر ضيوف تلك السجون، لرفضهم - الذي جبلوا عليه – للظلم وللديكتاتورية. لذا فإنهم أكثر من يخشاهم الحكام.
فتجربة السجن تجربة مريرة تدفع من حباه الله القدرة علي معاقرة القلم، أن يفرغ شحناته وتجربته، لتكون التفريغ لشحنات المرارة من جانب، نبراسا وحافزا لمن يأتي من بعدهم، من جانب آخر.
ولعل أشهر من سجل تجربة السجن هذه "نيلسون مندلا" أشهر سجين سياسي الذي سجل تجربته في "رحلتي الطويلة من أجل الحرية"، وفي مصر برزت كتابات مصطفي أمين الذي سجل تجربته في السجون الناصرية "سنة أولي سجن"، وزينب الغزالي في حكايتها عن تجربة السجن الناصري والذي استمرت فيه لبدايات فترة السادات، و محمود السعدني الذي سجل تجربته في السجون الساداتية "الولد الشقي في السجن".
ومن حباه الله الموهبة الإبداعية، فإنه يستطيع ترجمة تلك التجربة في عمل إبداعي يخلد الإبداع والمبدع، مثلما كتب ديستوفسكي (السجين السياسي) تجربته الرائدة "ذكريات من منزل الأموات"، وفي مصر حفر صنع الله إبراهيم تجربته في السجون الناصرية في روايته "تلك الرائحة" ، وفي الجزائر ترجم الطاهر بن جلون تجربته في "تلك العتمة الباهرة" وها هو التونسي "سمير ساس" يقطر تجربته في سجون "زين العابدين بن علي" ألما في بكائيته المتفائلة ، والتي وفق في اختيار عنوانها "البرزج" حيث كان كعتبة أولي لدخول النص، جعلنا نري ما بداخله ( النص والقبر) ونسمع ما بخارجه – من الأمور الشائعة عذاب القبرالذي هو إما روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار - ومنها تلاوة القرآن علي القبور- حيث اعتبر السجن هو القبر، هو انتظار البعث أو النشور. كما وفق في اختيار الإسلوب واللغة التي تتمشي مع الزمان والمكان. وإن خلت الرواية منهما (الزمان والمكان) لأنه لا زمان في القبر، أو أن الزمان فيه سرمدي، والمكان هناك مفتوح إلي اللامدي. من الناحية الفنية. ومن الناحية الأمنية فإن الزمن كان لم يزل تحت الحكم وتحت السلطة المتجبرة التي ساقته إلي السجن، والعسس ينتشرون في كل الربوع. فالتخفي وراء العموميات، والبعد عن التخصيص و التحديد، أدعي للأمان في زمن اختفي فيه الأمان.
والقراءة الأولية، قد توحي للقارئ أن العمل لا يخرج علي المذكرات الأليمة لتجربة السجن، تخلو من الحدث الرئيس ومن الشخصيات. فالأحداث كلها تدور في الداخل، والأشخاص كلهم متخيلون، وإن كانوا أشخاصا حقيقيين يعيشون علي ظهر الأرض، يراهم الميت (السجين) وهم لا يرونه، الحقيقي منهم ( الأب ، الأم، الأخ،ابن الأخ) والمتخيل ( الحبيبة التي لا يعرفها، أبا الطيب المتنبي ) { هكذا أحدثك يا ابن أخي وأنا أودع السجن وحدثت والدتي وإخوتي وكل من أحب ولم أنبس بما حدثتك به ولكن نفسي جاشت بذلك وإنما "الكلام في الفؤاد وإنما جعل اللسان على الكلام دليلا".. إلا أننا لا نعدم الحركة الداخلية، حيث تحولت الذات الساردة إلي مرآة تعكس العنف والقسوة ووحشية التعذيب التي تخلق نفسية تحتاج العديد من الدراسات النفسية لتحديد انعكاساتها، وأبعاد ما وقع عليها. فأصبحت الحركة في الرواية كالجسم البشري النائم، الذي لا يري من خارجه سوي أنفاس تتصاعد بما يعني وجود الحياة فقط، بينما عديد الأعضاء تعمل بنشاط وربما بصخب، دون أن يشعر بها الخارج. فكذلك الحركة في الرواية في الرواية التي اتفق فيها الشكل مع الموضوع.
فإذا كان الكاتب قد صنف الحجيم الذي يعيشه السجين السياسي في السجون التونسية – والذي لا يختلف عنه في البلاد العربية الأخري التي تنتهج نفس المنهج، وكأنها مدرسة واحدة لا تعرف لحقوق الإنسان طريقا- ضمن عذاب القبرالذي هو المدخل لعذاب الآخرة التي تحدثت عنها الأديان، فإنه إلي جانب التناص القرآني الواضح علي طول الرواية، مع عديد السور القرآنية :
{ بين أب يرى كل محدثة بدعة، وأبناء استحيوا أنيرفعوا أصواتهم فوق صوت أبيهم يهمسون إليه أنه قد جاءهم من العلم ما لم يأتهفليتبعهم}{ واجعل الأغلال في أعناقهموالسلاسل حتى يعتبر غيرهم}. فإنه قد قسم الرواية أيضا علي شكل الجحيم، مستعينا بالآية الرابعة والأربعين من سورة الحجر [ َلهَا سَبْعَة أَبْوَاب لِكُلِّ بَاب مِنْهُمْ جُزْء مَقْسُوم ] في تحديد لكل حسب عمله.
الأبواب السبعة للقبر:
فسعي إلي أن يكون كل باب من أبواب القبر/السجن، يرسم صورة من الحياة في ذلك المجتمع المكبوت، وكانه يرسم بانوراما للمجتمع وأحواله، ما كان، وما أصبح عليه، حتي يمكن إعتبارها مسح شامل لتغيرات المجتمع في تلك الحقبة الزمنية التي امتدت نحو ثلاث وعشرين سنة من الحكم الديكتاتوري. ويظل السجن وما فيه، وصرخات الألم والأنين المكتوم تظهر في الخلفية مع كل باب من أبواب القبر/السجن، وكأنها الموسيقي التصويرية تصاحب المشهد الحزين. كما لو أنها تصرخ من خلف الستار، كل تلك الأسباب، هي ما دفعني إلي السجن، وووضع البلاد كلها في السجن الأوسع، بلا جدران. وربما فكر الكاتب أن يتخفف منها حتي لا يزداد القارئ كآبة علي كآبته، إلا أن شدة الألم وبشاعة ما يحدث في السجن لم تدع له مخرجا:
{ ـ عدت تحدثني من جديد عن العصا والقن والجلاد.. ألم تعلم أن ذلك يمزق قلبي وإن فَرِحَ بصّبركم وجَلَدِكم أليس عندكم شيء آخر تحدثني عنه يا بني.
ـ لا أعود إليه بملكي ولكن حملته فاصطبغ به قلمي لا ملجأ له منه إلا إليه}. علي أن القبر/ السجن لم يبدأ من لحظة دخول القبر، وإنما ما يحدث داخله، ما هو إلا نتيجة لما يتم خارجه. لذا يبدأ الباب الأول للقبر باستعراض العسس – عسس الوالي – يعدون علي الناس أنفاسهم، باحثين عن كل معارض لما يراه الوالي، حتي لو في الحلم، فقد وصل الأمر لحد محاسبة الناس علي نواياهم، وأسمائهم :
{ ـ هل أنت فخر الدين.
ـ نعم أنا فخر الدين.
ـ لا فخر لك ولا دين بم تفخر علينا، نحن أفضل منك قوة وعلما ودينا. وأي دين دينك. أنت لا تفقه شيئا تصلي وتخدع الله بالمسبحة. ويلك من منافق لعن الله دينك ودين أبائك. ما اسم أبيك؟}
وفي الباب الثاني، وقد تصدر بـ "لا تستوحشن لقلة السالكين ولا تغترّن لكثرة الهالكين"} ويعرض استكانة الآباء، وهم الكثرة الذين يؤثرون السلامة والخوف علي أبنائهم، أي أنهم المحافظون. وفورة الشباب وهم الأقلية، وهؤلاء هم من يساقون إلي السجون والمعتقلات بناء علي تقارير العسس، واحدا عن آخر عن آخر عن آخر. (مثلما يقول التصدير) { عائلتنا التي جمعت بين أبوين تشبثا بالقديم، وأبناء درسوا في مدارس الحداثة فكانت عائلة زخرفا تمتع الناظر إليها بحجاج، بين أب يرى كل محدثة بدعة، وأبناء استحيوا أن يرفعوا أصواتهم فوق صوت أبيهم يهمسون إليه أنه قد جاءهم من العلم ما لم يأته فليتبعهم، فيثور هو ظنا منه أنهم يعرضون به، ويشبهون بآزر أبي النبي إبراهيم عليه السلام}.
أما الباب الثالث فقد تعرض لصور من مفاسد المجتمع، مثل تعيين الفاسدين في المناصب، وانصراف الطلبة والأدباء إلي المغيبات، وتزلق رجال الدين للوالي{ ونودي على المنابر للوالي "يا أيها الناس اسمعوا وعوا إن الوالي يأمركم أن تركعوا وتسجدوا وعليكم بالخشوع والخضوع والخنوع عسى الله أن يهدي الوالي فيزيدكم من نعمه". ونعمه لا تحصى ولا تعد فقد جعل للمساجد حراسا يمنعون عنها الكلاب، وأجري فيها الماء الزلال، وأفتى لكم بجواز صلاة الفجر في بيوتكم حتى لا يتعب الشيخ ولا يستيقظ الصبي. أيها الناس قد أظلكم زمان صعب من أطاع فيه الوالي فقد فاز ومن عصاه فقد ضل ولا يلومن إلا نفسه. إن طاعة الوالي من طاعة الله فمن أراد أن تقبل صلاته ويزداد له في الأجر فلا يشرك في طاعة الوالي أحدا. اللهم انصر والينا فإنه أقام دينك وحماه }.
ويواصل الباب الرابع عرض الفساد الذي يسري بين فئات المجتمع ليصل إلي الميزان. مال الميزان... فيعرض لفساد القضاء وخضوعه لرغبة الوالي، و القضاء هو الحصن الأخير للعدالة { وانطلقت ألقي السلام الأخير على أمي وإخوتي وأودع اليومين الأخيرين لي فيالمدينة يكون بعدهما السجن فلا أظن القاضي يعصي أمر الوالي وقد كانت أول فتنتنا فيالقضاء. وأحزنني أن رسالتها لم تصلني بعد}.

ونتيجة لاستمرار التلصص والتخوين بين البشر، كان الباب الخامس الذي يتحدث عن إختفاء الحب. فما للجلادين والحب؟ فالكره والحقد والخوف، سلاحهم في إدارة البلاد. يكرهون الدفء، ويخافون الابتسامة. لأن البسمة هي الأمل، هي وقود سفينة العبور نحو الغد، تلك التي لا تزال تضئ أعماق من وهب حياته لبلده.{. فلماذا حزنك علي وأنا رجل تخيف الجلاد بسمتي لا تجزعي فأنا راجع إليك وإنطال سجني. فهل رأيت شمسا تغيب دون أن تشرق أو ليلا لا يعقبه نهار}.

ولم يكن كل ذلك الفساد المتغلغل بين الناس، المسلط عليهم من قبل الوالي، يحد حركتهم، ويشل تفكيرهم، لم يكن إلا ليصنع ذلك الإحساس بالجبرية. فيستعرض الباب السادس لجبرية حياة المساجين. فلا اختيار لمن يرافقك، من ينام فوقك أو تحتك أو من ينام بجانبك في زمن غاب فيه الزمن، فغابت فيه حركة الحياة. فصار السجن والموت واحد.
أما الباب السابع، وهو أطول أبواب القبر السبعة، ففيه تتجمع الخيوط، و تستنهض الهمم . يستحضر الراوي في سجنه حبا متخيلا ومستقبلا مع من يحب، فالحب وقود يدفع للأمل، لغد باسم مع من تحب، تلاعبه وتداعبه. ويستحضر الرجولة التي بثها فيه والده في زمن يعترف بحق الكبير وبالمواقف التي ترفض الضيم، ويستجمع عزيمة المظلومين من حوله المختلفين معه في الرأي، وإن لم يختلفوا في الرؤية، ليصنع منهم قوة ترفض الظلم، وتصر علي فعل شئ تجاه الظالم، وكأنه الدفعة والتحريض علي الخروج من القبر، متخذا من الحزن والمعاناة وقودا يشعل نار الغضب، ونورا يضئ طريق الغد الأفضل:
{" لكن حزنينار أوقدت على غضب فاتسع قلبي للمدينة غريبها وشريدها وطريدها وفقيرها أشاركهم لوعةما فرضت عليهم إلا ابتغاء رضوان الوالي فما ارتضوها لكن تقطعت بهم السبل. فأنامدينة الغريب ومأوى الطريد ومسكن الشريد وقرى الفقير وآخذ من لوعتهم وأصبها على قصرالوالي والدور الحاشية فترتد لوعتهم نارا تأكل هشيما عشّش على عتبات القصر وتجتثقصورا أسست على عفنهم وصمت}

النشور
وبعد القبر ... لابد من نشور، البعث، فما القبر إلي مرحلة بين الدنيا والآخرة. فيأتي الفصل الأخير في الرواية حاملا عنوان "النشور" يحشد له الكاتب كل عناصر الحياة المرتقبة، وكأنه يرسم الطريق ليكون الغد أفضل، والذي لن يكون إلا بالثورة علي القائم الجاثم، دون خوف. ويأتي في بدايتها، التخلص من الأنا في سبيل المجموع. فها هو السارد كان يحلم بشئ، والمجموع يريد شيئا آخر، فيكون النزول علي إرادة المجموع { وصارت العائلة تحلم بالفتى الطبيب فلم يخالفهم واختار شعبة العلوم رغم أنه كانأكثر ميلا للأدب والشعر ونبوغا فيهما لكن الأدب لا يحقق حلم العائلة. والعائلة جمعوهو فرد فليطمس حلم نفسه قبل أن يذهب بأحلام عائلته فيزيد ألم أبيه، وتحزن أمه،وتنكسر نفوس إخوته}.
وثانية بنود روشتة الوصول للغد، هي عدم تعجل النتائج، والصبر علي بلاء الظالمين. فعلي الرغم مما عاناه السارد في السجن لعشر سنين، إلا أنه لم يندم، رغم أنه ربما لن يعيش لجني ثمار كفاحه، ومعارضته لظلم الحكم واستبداديته، لأنه يري أنه ليس بالضرورة أن تكون استفادته مباشرة، فقد يجني الحصاد أولاده ، وربما أحفاده { فإن كان لابد من الغربة مرة أخرى فقد نذرت لها نفسي حتى تضئ المدينة كلها أو اهلك دونها.
فإن متّ أورثت نسلي ما كنت فيه وما أورثت غريبا خيرا من رجولة يتحلى بها نوره وإن كان السجن يومي فغدي فجر دائم أو موت يوقظ من أحببت معهم المدينة من غفلتهم} ولا يزال الأمل في الغد قائم، في الشباب، وهو الذي زرع الأمل من البداية { ثم أتمنى لو يصاب الجميع بالتيه فيولد جيل جديد يمشي سويا غير مكباب فتضيء الطريق مشيته. وأراك يا بني من هؤلاء فخض لجج التجربة ولا تخش الموت.} وكأنها النبوءة يتنبأ بها الكاتب سنين قبل حدوثها علي أرض الواقع. ففي النهاية، بل هي البداية، يضعها الكاتب في نبوءته، فكانت كما تمني، ثورة الشباب.
وثالث بنود وصفة الوصول للغد المنشود، القضاء علي صانعي الديكتاوريين ممن حول الحاكم، من يسبحون بحمده ليل نهار، ويصورون أفعاله وكأنها أفعال إلهية .فيرسم السارد صورة الحاكم الذي لا يكون حاكما، فرعونا، إلابمن حوله ومن يحيط نفسه بهم:{ وكان أبو المغاليق الحاجب يمتشق عصا يقول إنها كانت معه منذ شب عن الطوق. حدثناقال: كنا على عهد أمير المؤمنين القائم بأمرنا أدام الله عزه وحماه، كنا قرية آمنةمطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان وكان أميرنا مهابا بضعفه وقوتنا ذكيا بكلامهوتدبيرنا قويا بكرسيه وسياطنا، حليما بحمقه وهدوئنا. وكنا نحن المغاليق ننعم بهدوءدولتنا على ضر مسنا منه غير كبير يأتمر بأمرنا الكبير قبل الصغير ويخشانا الشريفقبل الحقير}.
ورابع البنود هو الاعتمادن والأمل كل الأمل علي الشباب، بطموحه، وعدم تلوثه بمفاسد الحكام. فبعد قضاء عقد بالسجن، يخرج غريبا شبه مطاردن يتحسس العسس خطواته، وقد زرعوا الشك في كل من حوله، يقابله في المدينة شاب، يصافحه، يعانقه، ظنه يعرفه، وربما عرف ما يشيعه الوالي وأعيانه عنه من تشويه وتلطيخ للسمعة، ويفاجؤه الشاب بأنه لا يعرفه، ولكنه سمع عنه كثيرا. وهو فقط "يحبه في الله". هنا يتنفس السارد الصعداء، ويعلم أن رسالته قد وصلت، وجاء الشباب ليحمل عنه الأمانة ويكمل الرسالة.
الرواية والسيرة الذاتية
لم يكن عفوا أن متبت في الفقرة السابقة (فخر الدين/سمير ساس) دامجا بين الشخصية الرئيسة أو الوحيدة في الرواية (فخر الدين) وبين المؤلف (سمير ساس) حيث المسافة بينهما قد لا تبين. فالسجن وعذاباته وصنوف إهدار الكرامة الإنسانية تجمع بينهما . كل عمل إبداعي هو في الأصل سيرة ذاتية متحولة من التاريخي إلي التخييلي . وعندها تصبح ابنا من أبنائه، يحمل منه الكثير من الصفات الوراثية، والجينات الحياتية، ليقول هاأنذا. فـ(ليس الفتي من يقول كان أبي، ولكن الفتي من يقول هاأنذا).
ولقد أبنا في بداية حديثنا بين الحديث عن السجن الذي توقف عند السيرة الذاتية لدي نيلسون مانديلا ومصطفي أمين، وبين العمل الروائي عن نفس التجربة لدي ديستوفسكي وصنع الله إبراهيم علي الجانب الآخر. فثمة علاقة تقارب وتباعد بين الحالتين، وثمة رابط وثيق بين السيرة والرواية قد يصعب التفكيك بينهما. فالعمل الروائي، خاصة التجربة الأولي – ويبدو أن "البرزخ" هي تجربة ساس الأولي – يحمل في طياته من التجربة التاريخية للكاتب أكثر مما يحمل من الخيال، حيث يكون الكاتب لم يزل به رغبة في تفريغ شحناته الحياتية، ولما يكن بعد قد اكتسب من الخبرة الإبداعية ما يجعله يذيبها في مجري التخييل، وهو الفارق الأساسي بين السيرة والرواية، التاريخ والخيال.
وقد عرفنا أن سمير ساس ناشط سياسي تونسي معارض لحكم "زين العابدين بن علي" الديكتاتوري. دخل سجن "برج الرومي" والذي لا يختلف كثيرا عن سجن " بو غريب" من حيث ما يمارس فيه من صنوف التعذيب والإهانة، واستمر فيه لعشر سنوات بدأت في نوفمبر1991 ، وكتب الرواية من داخل السجن عام 1997. أي أن التجربة الحية والحياتية (السيرة) متوافرة بالضرورة في الرواية. ونستطيع تلمسها بوضوح في سيطرة الحديث، ودقته وحرارته عن اساليب التعذيب داخل السجن، حتي نحس معها بألم السياط علي الجسد العاري، والقهر الإنساني في في الممارسات الجنسية المكشوفة للمسجونين من الرجال، وذويهم من النساء. فإذا قرأنا علي سبيل المثال فقرة مثل هذه:
ٍ { وقد يتفتت لحمك وينخر عظمك ويسقط شعرك، وأبو المغاليق يلعب بالمثقب الآلي لا يبالي وهو يتلذذ بقارورة من زجاج كسر أعلاها تخترق دبرك وأنت تشد إليها كخيمة إلى وتد في يوم عاصف. ولا تعجبن إذا وضع الملح على جسدك المثخن بالجراح التي خطتها موسى أبي المغاليق كلوحة فنان تشكيلي يلاحق عُقابا في زوايا مدينة أطفأت أنوارها ليلة عيد ميلاد. وعجائب أبي المغاليق كلما ثبت الجسد ضد واحدة منها أسرعت الأخرى إليه كإسراع النجم إذا انقضّ للرجم وأتبع بعضها بعضا حتى إذا لم يعد في جسدك موضع تنزل فيه إبرة أنزلت إلى سرداب لا يسعك، ملئ أجسادا مزقت كل ممزق فلا تسمع إلا همسا وأنينا،مظلم لا يلجه الضوء إلا من كوة صغيرة بالباب يفتحها أبو المغاليق ليلقي منها طعاما لو شمه كلب لم يلعق طعاما منذ بضعة أيام لولى هاربا وله ضراط}. فنقرأ وكأننا نحن الواقع علينا هذه الممارسات، فنحن هنا نشعر بالتعاطف مع ما يعانيه الفرد. فإذا ما توقف الكاتب عند توصيل هذا الإحساس فقط، فنحن أمام سيرة ذاتية، أي فردية. إلا أن الكاتب حرص علي إتساع التجربة، لتصبح تجربة جماعية، فنقرأ:
{وماذا لو رأيت أحدا ممن أحببت قبل أن ينزل أبو المغاليق المدينة، حاله مثل حالكوهمه مثل همك يؤتى به من السرداب الذي كنت فيه فيؤمر بأن يمتطي ظهر أمك أو أختك أوزوجتك وتؤمر أنت بمثله. كيف يكون حالك إذا أمرت أن تستنكح يدك وأمك تنظر إليك، أوأن تُحمل على القيام بتصرفات الشواذ ومع من؟ مع بعض من أصحابك}. ففعل التعذيب هنا لا يقع علي الفرد فقط، وإنما هي تحربة جمعية. حتي وإن كان الفرد(السارد)هو العنصر الرئيسي فيها، فهو هنا فرد من مجموع، أي أن التجربة، تجربة جماعية. والأثر أو الخطاب المرجو هنا خطاب تحريضي، بمعني أنه دعوة عامة للفعل، للتصدي، للثورة. ولذلك ينهي ساس روايته بالصورة التخيلية، وبالأمل في وصول رسالته، فنقرأ فيكون السطر الأخير في الرواية:{ عندها كانت الشمس على جبين فخر الدين تزينه، تنشر أشعتها عليه وسمع ناظر الغرفةيصيح: استيقظوا حان وقت الحساب} حان وقت حساب الطغاة، حان وقت حساب الظلم. غير أن وقت الحساب لم يأت في تونس إلا بعدذلك بأعوام. حيث قامت ثورة تونس الشبابية في 14 يناير 2011 علي حكم "زين" الدين ليسجل صدق نبوء وأمنية "فخر الدين"/ سمير ساس، كواحد من بين ثلاثين ألف سجين سياسي في عهد الهارب "بن علي" . له أن يفخر بنبوأته، وانتصاره علي حاكم لم يكن له من اسمه شئ، فلم يكن يزين البلاد، بقدر ما كان يشوهها، ولم يكن له من العبادة ما يردعه عن ذل شعبه ونهب ثرواته.
شوقي عبد الحميد يحيي
Dounia yazidi
Dounia yazidi
رقراق فعال
رقراق فعال

الجنـــــــــس : انثى
عدد المساهمات : 88
النقاط : 128
تاريخ التسجيل : 25/03/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

دراسات في القصة القصيرة والرواية Empty شكرا جزيلا

مُساهمة من طرف zakaria asbahi الأحد أكتوبر 14, 2012 7:57 pm

Dounia.yazidi كتب:
الشعوب العربية .. في "البرزخ"
=================
عندما ينطفئ الضوء، ولا يستطيع الإنسان رؤية من وما حوله، فإنه ينظر إلي داخله. يتحدث طويلا، وهو يظن أنه يحادث غيره، أو يحادث كثيرين، وهو يظن أنه يحادث نفسه.وإذا كان الإنسان حينها في ضائقة أو ملمة، فإن صخبا يتعالي، وشوشرة تتصاعد، وتتداخل الأصوات. فما بالك بذلك الإنسان في سجن، محبوس بين جدران تكاد تقيض أنفاسه، وما بالك لو أن هذا الإنسان دخل هذا السجن ظلما، أليس الشعور هنا يكون مضاعفا؟ ويكون الإحساس أشد إيلاما، وتكون الأعماق أكثر إضطرابا؟
ولقد امتلآت السجون العربية "بصفة خاصة" بالمظاليم من السجناء السياسيين، وكان أصحاب الرأي والكتاب والمبدعين أكثر ضيوف تلك السجون، لرفضهم - الذي جبلوا عليه – للظلم وللديكتاتورية. لذا فإنهم أكثر من يخشاهم الحكام.
فتجربة السجن تجربة مريرة تدفع من حباه الله القدرة علي معاقرة القلم، أن يفرغ شحناته وتجربته، لتكون التفريغ لشحنات المرارة من جانب، نبراسا وحافزا لمن يأتي من بعدهم، من جانب آخر.
ولعل أشهر من سجل تجربة السجن هذه "نيلسون مندلا" أشهر سجين سياسي الذي سجل تجربته في "رحلتي الطويلة من أجل الحرية"، وفي مصر برزت كتابات مصطفي أمين الذي سجل تجربته في السجون الناصرية "سنة أولي سجن"، وزينب الغزالي في حكايتها عن تجربة السجن الناصري والذي استمرت فيه لبدايات فترة السادات، و محمود السعدني الذي سجل تجربته في السجون الساداتية "الولد الشقي في السجن".
ومن حباه الله الموهبة الإبداعية، فإنه يستطيع ترجمة تلك التجربة في عمل إبداعي يخلد الإبداع والمبدع، مثلما كتب ديستوفسكي (السجين السياسي) تجربته الرائدة "ذكريات من منزل الأموات"، وفي مصر حفر صنع الله إبراهيم تجربته في السجون الناصرية في روايته "تلك الرائحة" ، وفي الجزائر ترجم الطاهر بن جلون تجربته في "تلك العتمة الباهرة" وها هو التونسي "سمير ساس" يقطر تجربته في سجون "زين العابدين بن علي" ألما في بكائيته المتفائلة ، والتي وفق في اختيار عنوانها "البرزج" حيث كان كعتبة أولي لدخول النص، جعلنا نري ما بداخله ( النص والقبر) ونسمع ما بخارجه – من الأمور الشائعة عذاب القبرالذي هو إما روضة من رياض الجنة، وإما حفرة من حفر النار - ومنها تلاوة القرآن علي القبور- حيث اعتبر السجن هو القبر، هو انتظار البعث أو النشور. كما وفق في اختيار الإسلوب واللغة التي تتمشي مع الزمان والمكان. وإن خلت الرواية منهما (الزمان والمكان) لأنه لا زمان في القبر، أو أن الزمان فيه سرمدي، والمكان هناك مفتوح إلي اللامدي. من الناحية الفنية. ومن الناحية الأمنية فإن الزمن كان لم يزل تحت الحكم وتحت السلطة المتجبرة التي ساقته إلي السجن، والعسس ينتشرون في كل الربوع. فالتخفي وراء العموميات، والبعد عن التخصيص و التحديد، أدعي للأمان في زمن اختفي فيه الأمان.
والقراءة الأولية، قد توحي للقارئ أن العمل لا يخرج علي المذكرات الأليمة لتجربة السجن، تخلو من الحدث الرئيس ومن الشخصيات. فالأحداث كلها تدور في الداخل، والأشخاص كلهم متخيلون، وإن كانوا أشخاصا حقيقيين يعيشون علي ظهر الأرض، يراهم الميت (السجين) وهم لا يرونه، الحقيقي منهم ( الأب ، الأم، الأخ،ابن الأخ) والمتخيل ( الحبيبة التي لا يعرفها، أبا الطيب المتنبي ) { هكذا أحدثك يا ابن أخي وأنا أودع السجن وحدثت والدتي وإخوتي وكل من أحب ولم أنبس بما حدثتك به ولكن نفسي جاشت بذلك وإنما "الكلام في الفؤاد وإنما جعل اللسان على الكلام دليلا".. إلا أننا لا نعدم الحركة الداخلية، حيث تحولت الذات الساردة إلي مرآة تعكس العنف والقسوة ووحشية التعذيب التي تخلق نفسية تحتاج العديد من الدراسات النفسية لتحديد انعكاساتها، وأبعاد ما وقع عليها. فأصبحت الحركة في الرواية كالجسم البشري النائم، الذي لا يري من خارجه سوي أنفاس تتصاعد بما يعني وجود الحياة فقط، بينما عديد الأعضاء تعمل بنشاط وربما بصخب، دون أن يشعر بها الخارج. فكذلك الحركة في الرواية في الرواية التي اتفق فيها الشكل مع الموضوع.
فإذا كان الكاتب قد صنف الحجيم الذي يعيشه السجين السياسي في السجون التونسية – والذي لا يختلف عنه في البلاد العربية الأخري التي تنتهج نفس المنهج، وكأنها مدرسة واحدة لا تعرف لحقوق الإنسان طريقا- ضمن عذاب القبرالذي هو المدخل لعذاب الآخرة التي تحدثت عنها الأديان، فإنه إلي جانب التناص القرآني الواضح علي طول الرواية، مع عديد السور القرآنية :
{ بين أب يرى كل محدثة بدعة، وأبناء استحيوا أنيرفعوا أصواتهم فوق صوت أبيهم يهمسون إليه أنه قد جاءهم من العلم ما لم يأتهفليتبعهم}{ واجعل الأغلال في أعناقهموالسلاسل حتى يعتبر غيرهم}. فإنه قد قسم الرواية أيضا علي شكل الجحيم، مستعينا بالآية الرابعة والأربعين من سورة الحجر [ َلهَا سَبْعَة أَبْوَاب لِكُلِّ بَاب مِنْهُمْ جُزْء مَقْسُوم ] في تحديد لكل حسب عمله.
الأبواب السبعة للقبر:
فسعي إلي أن يكون كل باب من أبواب القبر/السجن، يرسم صورة من الحياة في ذلك المجتمع المكبوت، وكانه يرسم بانوراما للمجتمع وأحواله، ما كان، وما أصبح عليه، حتي يمكن إعتبارها مسح شامل لتغيرات المجتمع في تلك الحقبة الزمنية التي امتدت نحو ثلاث وعشرين سنة من الحكم الديكتاتوري. ويظل السجن وما فيه، وصرخات الألم والأنين المكتوم تظهر في الخلفية مع كل باب من أبواب القبر/السجن، وكأنها الموسيقي التصويرية تصاحب المشهد الحزين. كما لو أنها تصرخ من خلف الستار، كل تلك الأسباب، هي ما دفعني إلي السجن، وووضع البلاد كلها في السجن الأوسع، بلا جدران. وربما فكر الكاتب أن يتخفف منها حتي لا يزداد القارئ كآبة علي كآبته، إلا أن شدة الألم وبشاعة ما يحدث في السجن لم تدع له مخرجا:
{ ـ عدت تحدثني من جديد عن العصا والقن والجلاد.. ألم تعلم أن ذلك يمزق قلبي وإن فَرِحَ بصّبركم وجَلَدِكم أليس عندكم شيء آخر تحدثني عنه يا بني.
ـ لا أعود إليه بملكي ولكن حملته فاصطبغ به قلمي لا ملجأ له منه إلا إليه}. علي أن القبر/ السجن لم يبدأ من لحظة دخول القبر، وإنما ما يحدث داخله، ما هو إلا نتيجة لما يتم خارجه. لذا يبدأ الباب الأول للقبر باستعراض العسس – عسس الوالي – يعدون علي الناس أنفاسهم، باحثين عن كل معارض لما يراه الوالي، حتي لو في الحلم، فقد وصل الأمر لحد محاسبة الناس علي نواياهم، وأسمائهم :
{ ـ هل أنت فخر الدين.
ـ نعم أنا فخر الدين.
ـ لا فخر لك ولا دين بم تفخر علينا، نحن أفضل منك قوة وعلما ودينا. وأي دين دينك. أنت لا تفقه شيئا تصلي وتخدع الله بالمسبحة. ويلك من منافق لعن الله دينك ودين أبائك. ما اسم أبيك؟}
وفي الباب الثاني، وقد تصدر بـ "لا تستوحشن لقلة السالكين ولا تغترّن لكثرة الهالكين"} ويعرض استكانة الآباء، وهم الكثرة الذين يؤثرون السلامة والخوف علي أبنائهم، أي أنهم المحافظون. وفورة الشباب وهم الأقلية، وهؤلاء هم من يساقون إلي السجون والمعتقلات بناء علي تقارير العسس، واحدا عن آخر عن آخر عن آخر. (مثلما يقول التصدير) { عائلتنا التي جمعت بين أبوين تشبثا بالقديم، وأبناء درسوا في مدارس الحداثة فكانت عائلة زخرفا تمتع الناظر إليها بحجاج، بين أب يرى كل محدثة بدعة، وأبناء استحيوا أن يرفعوا أصواتهم فوق صوت أبيهم يهمسون إليه أنه قد جاءهم من العلم ما لم يأته فليتبعهم، فيثور هو ظنا منه أنهم يعرضون به، ويشبهون بآزر أبي النبي إبراهيم عليه السلام}.
أما الباب الثالث فقد تعرض لصور من مفاسد المجتمع، مثل تعيين الفاسدين في المناصب، وانصراف الطلبة والأدباء إلي المغيبات، وتزلق رجال الدين للوالي{ ونودي على المنابر للوالي "يا أيها الناس اسمعوا وعوا إن الوالي يأمركم أن تركعوا وتسجدوا وعليكم بالخشوع والخضوع والخنوع عسى الله أن يهدي الوالي فيزيدكم من نعمه". ونعمه لا تحصى ولا تعد فقد جعل للمساجد حراسا يمنعون عنها الكلاب، وأجري فيها الماء الزلال، وأفتى لكم بجواز صلاة الفجر في بيوتكم حتى لا يتعب الشيخ ولا يستيقظ الصبي. أيها الناس قد أظلكم زمان صعب من أطاع فيه الوالي فقد فاز ومن عصاه فقد ضل ولا يلومن إلا نفسه. إن طاعة الوالي من طاعة الله فمن أراد أن تقبل صلاته ويزداد له في الأجر فلا يشرك في طاعة الوالي أحدا. اللهم انصر والينا فإنه أقام دينك وحماه }.
ويواصل الباب الرابع عرض الفساد الذي يسري بين فئات المجتمع ليصل إلي الميزان. مال الميزان... فيعرض لفساد القضاء وخضوعه لرغبة الوالي، و القضاء هو الحصن الأخير للعدالة { وانطلقت ألقي السلام الأخير على أمي وإخوتي وأودع اليومين الأخيرين لي فيالمدينة يكون بعدهما السجن فلا أظن القاضي يعصي أمر الوالي وقد كانت أول فتنتنا فيالقضاء. وأحزنني أن رسالتها لم تصلني بعد}.

ونتيجة لاستمرار التلصص والتخوين بين البشر، كان الباب الخامس الذي يتحدث عن إختفاء الحب. فما للجلادين والحب؟ فالكره والحقد والخوف، سلاحهم في إدارة البلاد. يكرهون الدفء، ويخافون الابتسامة. لأن البسمة هي الأمل، هي وقود سفينة العبور نحو الغد، تلك التي لا تزال تضئ أعماق من وهب حياته لبلده.{. فلماذا حزنك علي وأنا رجل تخيف الجلاد بسمتي لا تجزعي فأنا راجع إليك وإنطال سجني. فهل رأيت شمسا تغيب دون أن تشرق أو ليلا لا يعقبه نهار}.

ولم يكن كل ذلك الفساد المتغلغل بين الناس، المسلط عليهم من قبل الوالي، يحد حركتهم، ويشل تفكيرهم، لم يكن إلا ليصنع ذلك الإحساس بالجبرية. فيستعرض الباب السادس لجبرية حياة المساجين. فلا اختيار لمن يرافقك، من ينام فوقك أو تحتك أو من ينام بجانبك في زمن غاب فيه الزمن، فغابت فيه حركة الحياة. فصار السجن والموت واحد.
أما الباب السابع، وهو أطول أبواب القبر السبعة، ففيه تتجمع الخيوط، و تستنهض الهمم . يستحضر الراوي في سجنه حبا متخيلا ومستقبلا مع من يحب، فالحب وقود يدفع للأمل، لغد باسم مع من تحب، تلاعبه وتداعبه. ويستحضر الرجولة التي بثها فيه والده في زمن يعترف بحق الكبير وبالمواقف التي ترفض الضيم، ويستجمع عزيمة المظلومين من حوله المختلفين معه في الرأي، وإن لم يختلفوا في الرؤية، ليصنع منهم قوة ترفض الظلم، وتصر علي فعل شئ تجاه الظالم، وكأنه الدفعة والتحريض علي الخروج من القبر، متخذا من الحزن والمعاناة وقودا يشعل نار الغضب، ونورا يضئ طريق الغد الأفضل:
{" لكن حزنينار أوقدت على غضب فاتسع قلبي للمدينة غريبها وشريدها وطريدها وفقيرها أشاركهم لوعةما فرضت عليهم إلا ابتغاء رضوان الوالي فما ارتضوها لكن تقطعت بهم السبل. فأنامدينة الغريب ومأوى الطريد ومسكن الشريد وقرى الفقير وآخذ من لوعتهم وأصبها على قصرالوالي والدور الحاشية فترتد لوعتهم نارا تأكل هشيما عشّش على عتبات القصر وتجتثقصورا أسست على عفنهم وصمت}

النشور
وبعد القبر ... لابد من نشور، البعث، فما القبر إلي مرحلة بين الدنيا والآخرة. فيأتي الفصل الأخير في الرواية حاملا عنوان "النشور" يحشد له الكاتب كل عناصر الحياة المرتقبة، وكأنه يرسم الطريق ليكون الغد أفضل، والذي لن يكون إلا بالثورة علي القائم الجاثم، دون خوف. ويأتي في بدايتها، التخلص من الأنا في سبيل المجموع. فها هو السارد كان يحلم بشئ، والمجموع يريد شيئا آخر، فيكون النزول علي إرادة المجموع { وصارت العائلة تحلم بالفتى الطبيب فلم يخالفهم واختار شعبة العلوم رغم أنه كانأكثر ميلا للأدب والشعر ونبوغا فيهما لكن الأدب لا يحقق حلم العائلة. والعائلة جمعوهو فرد فليطمس حلم نفسه قبل أن يذهب بأحلام عائلته فيزيد ألم أبيه، وتحزن أمه،وتنكسر نفوس إخوته}.
وثانية بنود روشتة الوصول للغد، هي عدم تعجل النتائج، والصبر علي بلاء الظالمين. فعلي الرغم مما عاناه السارد في السجن لعشر سنين، إلا أنه لم يندم، رغم أنه ربما لن يعيش لجني ثمار كفاحه، ومعارضته لظلم الحكم واستبداديته، لأنه يري أنه ليس بالضرورة أن تكون استفادته مباشرة، فقد يجني الحصاد أولاده ، وربما أحفاده { فإن كان لابد من الغربة مرة أخرى فقد نذرت لها نفسي حتى تضئ المدينة كلها أو اهلك دونها.
فإن متّ أورثت نسلي ما كنت فيه وما أورثت غريبا خيرا من رجولة يتحلى بها نوره وإن كان السجن يومي فغدي فجر دائم أو موت يوقظ من أحببت معهم المدينة من غفلتهم} ولا يزال الأمل في الغد قائم، في الشباب، وهو الذي زرع الأمل من البداية { ثم أتمنى لو يصاب الجميع بالتيه فيولد جيل جديد يمشي سويا غير مكباب فتضيء الطريق مشيته. وأراك يا بني من هؤلاء فخض لجج التجربة ولا تخش الموت.} وكأنها النبوءة يتنبأ بها الكاتب سنين قبل حدوثها علي أرض الواقع. ففي النهاية، بل هي البداية، يضعها الكاتب في نبوءته، فكانت كما تمني، ثورة الشباب.
وثالث بنود وصفة الوصول للغد المنشود، القضاء علي صانعي الديكتاوريين ممن حول الحاكم، من يسبحون بحمده ليل نهار، ويصورون أفعاله وكأنها أفعال إلهية .فيرسم السارد صورة الحاكم الذي لا يكون حاكما، فرعونا، إلابمن حوله ومن يحيط نفسه بهم:{ وكان أبو المغاليق الحاجب يمتشق عصا يقول إنها كانت معه منذ شب عن الطوق. حدثناقال: كنا على عهد أمير المؤمنين القائم بأمرنا أدام الله عزه وحماه، كنا قرية آمنةمطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان وكان أميرنا مهابا بضعفه وقوتنا ذكيا بكلامهوتدبيرنا قويا بكرسيه وسياطنا، حليما بحمقه وهدوئنا. وكنا نحن المغاليق ننعم بهدوءدولتنا على ضر مسنا منه غير كبير يأتمر بأمرنا الكبير قبل الصغير ويخشانا الشريفقبل الحقير}.
ورابع البنود هو الاعتمادن والأمل كل الأمل علي الشباب، بطموحه، وعدم تلوثه بمفاسد الحكام. فبعد قضاء عقد بالسجن، يخرج غريبا شبه مطاردن يتحسس العسس خطواته، وقد زرعوا الشك في كل من حوله، يقابله في المدينة شاب، يصافحه، يعانقه، ظنه يعرفه، وربما عرف ما يشيعه الوالي وأعيانه عنه من تشويه وتلطيخ للسمعة، ويفاجؤه الشاب بأنه لا يعرفه، ولكنه سمع عنه كثيرا. وهو فقط "يحبه في الله". هنا يتنفس السارد الصعداء، ويعلم أن رسالته قد وصلت، وجاء الشباب ليحمل عنه الأمانة ويكمل الرسالة.
الرواية والسيرة الذاتية
لم يكن عفوا أن متبت في الفقرة السابقة (فخر الدين/سمير ساس) دامجا بين الشخصية الرئيسة أو الوحيدة في الرواية (فخر الدين) وبين المؤلف (سمير ساس) حيث المسافة بينهما قد لا تبين. فالسجن وعذاباته وصنوف إهدار الكرامة الإنسانية تجمع بينهما . كل عمل إبداعي هو في الأصل سيرة ذاتية متحولة من التاريخي إلي التخييلي . وعندها تصبح ابنا من أبنائه، يحمل منه الكثير من الصفات الوراثية، والجينات الحياتية، ليقول هاأنذا. فـ(ليس الفتي من يقول كان أبي، ولكن الفتي من يقول هاأنذا).
ولقد أبنا في بداية حديثنا بين الحديث عن السجن الذي توقف عند السيرة الذاتية لدي نيلسون مانديلا ومصطفي أمين، وبين العمل الروائي عن نفس التجربة لدي ديستوفسكي وصنع الله إبراهيم علي الجانب الآخر. فثمة علاقة تقارب وتباعد بين الحالتين، وثمة رابط وثيق بين السيرة والرواية قد يصعب التفكيك بينهما. فالعمل الروائي، خاصة التجربة الأولي – ويبدو أن "البرزخ" هي تجربة ساس الأولي – يحمل في طياته من التجربة التاريخية للكاتب أكثر مما يحمل من الخيال، حيث يكون الكاتب لم يزل به رغبة في تفريغ شحناته الحياتية، ولما يكن بعد قد اكتسب من الخبرة الإبداعية ما يجعله يذيبها في مجري التخييل، وهو الفارق الأساسي بين السيرة والرواية، التاريخ والخيال.
وقد عرفنا أن سمير ساس ناشط سياسي تونسي معارض لحكم "زين العابدين بن علي" الديكتاتوري. دخل سجن "برج الرومي" والذي لا يختلف كثيرا عن سجن " بو غريب" من حيث ما يمارس فيه من صنوف التعذيب والإهانة، واستمر فيه لعشر سنوات بدأت في نوفمبر1991 ، وكتب الرواية من داخل السجن عام 1997. أي أن التجربة الحية والحياتية (السيرة) متوافرة بالضرورة في الرواية. ونستطيع تلمسها بوضوح في سيطرة الحديث، ودقته وحرارته عن اساليب التعذيب داخل السجن، حتي نحس معها بألم السياط علي الجسد العاري، والقهر الإنساني في في الممارسات الجنسية المكشوفة للمسجونين من الرجال، وذويهم من النساء. فإذا قرأنا علي سبيل المثال فقرة مثل هذه:
ٍ { وقد يتفتت لحمك وينخر عظمك ويسقط شعرك، وأبو المغاليق يلعب بالمثقب الآلي لا يبالي وهو يتلذذ بقارورة من زجاج كسر أعلاها تخترق دبرك وأنت تشد إليها كخيمة إلى وتد في يوم عاصف. ولا تعجبن إذا وضع الملح على جسدك المثخن بالجراح التي خطتها موسى أبي المغاليق كلوحة فنان تشكيلي يلاحق عُقابا في زوايا مدينة أطفأت أنوارها ليلة عيد ميلاد. وعجائب أبي المغاليق كلما ثبت الجسد ضد واحدة منها أسرعت الأخرى إليه كإسراع النجم إذا انقضّ للرجم وأتبع بعضها بعضا حتى إذا لم يعد في جسدك موضع تنزل فيه إبرة أنزلت إلى سرداب لا يسعك، ملئ أجسادا مزقت كل ممزق فلا تسمع إلا همسا وأنينا،مظلم لا يلجه الضوء إلا من كوة صغيرة بالباب يفتحها أبو المغاليق ليلقي منها طعاما لو شمه كلب لم يلعق طعاما منذ بضعة أيام لولى هاربا وله ضراط}. فنقرأ وكأننا نحن الواقع علينا هذه الممارسات، فنحن هنا نشعر بالتعاطف مع ما يعانيه الفرد. فإذا ما توقف الكاتب عند توصيل هذا الإحساس فقط، فنحن أمام سيرة ذاتية، أي فردية. إلا أن الكاتب حرص علي إتساع التجربة، لتصبح تجربة جماعية، فنقرأ:
{وماذا لو رأيت أحدا ممن أحببت قبل أن ينزل أبو المغاليق المدينة، حاله مثل حالكوهمه مثل همك يؤتى به من السرداب الذي كنت فيه فيؤمر بأن يمتطي ظهر أمك أو أختك أوزوجتك وتؤمر أنت بمثله. كيف يكون حالك إذا أمرت أن تستنكح يدك وأمك تنظر إليك، أوأن تُحمل على القيام بتصرفات الشواذ ومع من؟ مع بعض من أصحابك}. ففعل التعذيب هنا لا يقع علي الفرد فقط، وإنما هي تحربة جمعية. حتي وإن كان الفرد(السارد)هو العنصر الرئيسي فيها، فهو هنا فرد من مجموع، أي أن التجربة، تجربة جماعية. والأثر أو الخطاب المرجو هنا خطاب تحريضي، بمعني أنه دعوة عامة للفعل، للتصدي، للثورة. ولذلك ينهي ساس روايته بالصورة التخيلية، وبالأمل في وصول رسالته، فنقرأ فيكون السطر الأخير في الرواية:{ عندها كانت الشمس على جبين فخر الدين تزينه، تنشر أشعتها عليه وسمع ناظر الغرفةيصيح: استيقظوا حان وقت الحساب} حان وقت حساب الطغاة، حان وقت حساب الظلم. غير أن وقت الحساب لم يأت في تونس إلا بعدذلك بأعوام. حيث قامت ثورة تونس الشبابية في 14 يناير 2011 علي حكم "زين" الدين ليسجل صدق نبوء وأمنية "فخر الدين"/ سمير ساس، كواحد من بين ثلاثين ألف سجين سياسي في عهد الهارب "بن علي" . له أن يفخر بنبوأته، وانتصاره علي حاكم لم يكن له من اسمه شئ، فلم يكن يزين البلاد، بقدر ما كان يشوهها، ولم يكن له من العبادة ما يردعه عن ذل شعبه ونهب ثرواته.
شوقي عبد الحميد يحيي
[b][img]
zakaria asbahi
zakaria asbahi
عضو عادي
عضو عادي

الجنـــــــــس : ذكر
عدد المساهمات : 37
النقاط : 85
تاريخ التسجيل : 22/09/2012

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

دراسات في القصة القصيرة والرواية Empty رد: دراسات في القصة القصيرة والرواية

مُساهمة من طرف zakaria asbahi الأحد أكتوبر 14, 2012 7:59 pm

merci .
zakaria asbahi
zakaria asbahi
عضو عادي
عضو عادي

الجنـــــــــس : ذكر
عدد المساهمات : 37
النقاط : 85
تاريخ التسجيل : 22/09/2012

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

دراسات في القصة القصيرة والرواية Empty رد: دراسات في القصة القصيرة والرواية

مُساهمة من طرف ياسمينة الرقراق السبت ديسمبر 08, 2012 7:02 pm

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
ياسمينة الرقراق
ياسمينة الرقراق
رقراق برونزي

الجنـــــــــس : انثى
عدد المساهمات : 105
النقاط : 143
تاريخ التسجيل : 20/04/2010

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى