مفاهيم الشعر الحديث بين الزيف و الإبداع ...

من طرف نهيلة صادق الأحد سبتمبر 01, 2013 7:11 pm

عندما أقرأ قصيدة شعرية حديثة .. أشعر بأنني جائع لالتهام الكلم .. لاستعمال أقصى درجات التركيز .. للغوص حتى النخاع في المفردات .. واللهاث خلف المعاني .. وأن أدع الخيال يحلق في أقصى مداه

قالوا حسن القراءة من رفعة الأدب .. وعليه

عندما أقرأ قصيدة شعرية نثرية حديثة .. أغوص في الرمال .. أستخرج اللألئ .. أستعمل كل الإضاءات المباشرة

أحدق في كل تفصيل صغير أو كبير ..

أتعب .. ألهث .. وإن عجزت عن الفهم .. أعود وأعود لأقرأ وأستشف وأحلل وأركب وأستعمل كل النظريات وأطرق كل الأبواب .. وألج كل المنافذ ..

أحيل نفسي إلى مخبر للتحاليل الطبية .. وكأنني في ورشة عمل لاينقطع

أحب أن تنقطع الأصوات من حولي وكذلك الهمسات .. أركز أركز لأقرأ لأفهم لأحلل لأدعي أن أقول رداً على ماقرأت وإن سئلت .

أفكر بالتاريخ وبنظريات فرويد وبالحلاج وبالموت والحياة وماكبث وطاغور ... يتطاير الشرر من عيناي عندما تخذلني جملة ما .. حكاية ما .. رمز ما ..

أعود للتحقق من جديد .. يمهلني المدى الأفقي لخيالي .. تنذرني قريحتي

وأعود أفتش عن الأنا بين ما قرأت وعن الأنات

أريد استخدام ماتعلمت .. وأريد استخدام ما قرأت .. وأريد لذائقتي أن تعمل .. ولمداركي أن تنشط .. ولخيالي أن يمتد ويمتد ويحلق ويشسع ..

أريد أن أربط بين الجمل .. وأن أجد الدلالات فيها وفيما بينها .. أريد أن أستخرج من الكلام معنى يريح أعصابي وفكري وخيالي وثقافتي

أحاول الوصول لأقصى مدارك الكلم والبواح

أريد معرفة كيفية استخدام الرمز وتموضعه في حقول المعاني وبين المفردات

أحب أن أرى الشاعر يحدد مفاهيمه من خلال أشعاره ..

الوطن ماذا يعني بالنسبة له .. وماهو رمزه وماهو الرابط الذي يستخدمه

بماذا يرمز للغربة ..؟ وبماذا يرمز للوطن .. ؟ وبماذا يرمز للحبيبة .. للحياة .. للطبيعة

للكبت .. للجنس .. للحرمان

أقرأ الجملة الشعرية بجميع مكنوناتها ومكوناتها أحلق مع الشاعر عندما يمدني برؤى جديدة وأفكاراً حديثة

أفكار لم يطرقها أحد من قبله وإن حصل ذلك .. فإنني أرى لغة أخرى خاصة بالشاعر ، تخيلاً جديداً خاصاً وصوراً جديدة محدثة خاصة به وبفكره الشعري

أريد معرفة ماذا أوحى له خياله

أريد أن أسمي الأشياء بالأشياء .. أريد أن أسمي الأسماء بالأسماء

أريد لذائقتي أن تسمو .. وأريد لروحي أن تهنأ .. وأريد لقلمي أن يرتشف الجمال .. كما قهوة الصباح

أريد أن أرى انزياح الكلم وانزياح المعاني وإبهار الصور أريد أن أشعر بموسيقا الجملة الشعرية يخترق سكوني .. ويفجر براكين مشاعري وأحاسيسي

أريد أن أحلق بين المعاني والخيال .. وأسمو بمفردات همست بها الشياطين في وديان عبقر .. وكتب التاريخ .. والجغرافيا والقصص الأدبية والرومانسية والواقعية والخيال العلمي وتفسير الكون ونظريات النشوء والإرتقاء

وماهو فهمي لكل هذا وذاك .. الشعر خلاصة الخلاصة .. وأكبر تجربة أو محاولة لمحاورة العقل والقلب والوجدان .. لتنغمس تلك الروحانيات في بوتقة الثقافات والخلاصات والتجارب

فإن وصلت في نهاية رحلتي وسفري بين رعاف الحروف ومداد الروح .. أكون قرأت وارتحت وفهمت .. وأترك ذاتي محلقة في جوانب هذه القصيدة التي قرأت .

تعبت من القراءة والتمحيص لكنني وصلت إلى مبتغاي وسعدت وطربت وانتشيت

فالشاعر كما النحل يبحث عن الرحيق في كل البساتين وفي كل الحقول فيرتشف الجمال ويصنع منه قصيدته العسلية .. التي تتكون من كل الأزهار ومن كل التجارب والثقافات

القصيدة ليست هدية من السماء تهبط في اللحظة التي نشاء .

هي أن ننشئ العلاقة الأولى بين الشاعر والكلمات .. أن نرتشف خاصرة المفردات .. أن نعيد تشكيل المعاني .. أن ننشأ الروابط بين الجمل والمفردات أن نعتصر المعاني من كل مفردة حتى حد الثمالة ..

الآن ....

يترك اليراع يلتقط عناوين الصحف .. وعناوين القصائد .. وأخبار الطقس .. ونشرات الأخبار

ليكتب ولا يسمع أي حوار داخلي يعتري الشاعر ... المهم هو أن يكتب

ويجتهد كل الجهد في البعد عن الذائقة السليمة واللغة السليمة ، والفكر السوي ، وإن كتب مالا يفهمه

ومالا يسطيع أحد فهمه ... ليس لقلة علم أو أدب أو لنقص في الخيال أو في الذائقة

ولكن .. لأن من كتب هو أول الجاهلين بما كتب

قال لي أحدهم " يتهم أنه مثقف " الشعر الحديث أن تكتب ماتريد وعلى الآخرين محاولة الفهم وتقصي حقائق ماكتبت ..!!؟؟

أشعر أنني لاأنتمي لهذا الشعر .. الهراء

إن لم تكن مقالتي تربك الفكر الشعري .. في داخل كل منا على الأقل ..

فأنا لاأنتمي لهذا التيار ...

فأنا لاأبحر في سفين العقم الفكري

ولاأؤمن بتوالد الأشياء من دون أشياء

لاأؤمن بشاعر لايملك سحر الأرض وبهاء السماء
لاأؤمن بأنصاف وأرباع المواهب .. ولا بأنصاف الحلول في الشعر والأدب

لاأؤمن بمن لايمتلك مكتبة ثقافية تجول معه كل الأمصار
لاأؤمن بشاعر لايحزم كتبه قبل ملابسه في حقائب السفر

لاأؤمن بكاتب أو شاعر أراد أن يقول شيئاً فما قال
قال لي صديقي العزيز :

لو فتحنا خزانة الجنون لأخرجنا لهم عشا هائل من الشعر

الآن .. أقرأ قصيدة لشاب عمره سبعة عشر عاماً .. يدرس في الثانوية ولا أسطيع فهمها ..!

لا أسطيع أن أتذوقها .. أن أفكك وأحلل رموزها

هل هو قصر من ثقافة ما .. هل هويمتلك من الفكرالشعري والثقافي ماهو أعمق من تفكيرنا وتجربتنا ..؟

كنا تحلقنا كوكبة من الأدباء والشعراء المرموقين .. ولم نستطع لها فهما ..!

هل المشكلة فينا ..؟

هل هناك كثيراً من الكلام نقرأه وهومحض كلام و هباء ..؟

هل هو الأمر كذلك ...

سؤال كبير بحجم الكارثة الشعرية التي نعيشها واقعاً متجذراً في جلّ كتاباتنا الإبداعية

محبتي وتحاياي
الكاتب : عبدالقادر دياب

من طرف بثينة الصفار الأحد سبتمبر 01, 2013 7:18 pm

لقد لخص الناقد عبد القادر دياب واقع القصيدة النثرية بعين الشاعر ورهافة أحاسيسه
وعاينها بلغة الناقد الأصيل ونثرها كما النسّاج الماهر
قراءة كبيرة ودراسة في غاية الأهمية
شكرا لك نهيلة على الانتقاء المميز وشكرا للمبدع الناقد
دمت بخير وعطاء وألق

من طرف نادين بشارة الخميس سبتمبر 05, 2013 7:41 pm

لقد رصد الاديب عبد القادر دياب الاختلالات التي تشوب العملية الابداعية في وقتنا الراهن
وأنا أوافقه الطرح
فشكرا لك حبيبتي نهيلة على روعة الاختيار
والشكر لمبدعنا العربي عبد القادر دياب
لكما مودتي وتقديري

من طرف Salma Hamouchi السبت سبتمبر 14, 2013 7:02 pm

انتقاء مميز وعميق
شكرا لك حبيبتي نهيلة
لك ودي

الإثنين	الثلاثاء	الأربعاء	الخميس	الجمعة	السبت	الأحد
				1	2	3
4	5	6	7	8	9	10
11	12	13	14	15	16	17
18	19	20	21	22	23	24
25	26	27	28	29	30

مفاهيم الشعر الحديث بين الزيف و الإبداع ...

مفاهيم الشعر الحديث بين الزيف و الإبداع ...

رد: مفاهيم الشعر الحديث بين الزيف و الإبداع ...

رد: مفاهيم الشعر الحديث بين الزيف و الإبداع ...

رد: مفاهيم الشعر الحديث بين الزيف و الإبداع ...