عمود الشعر قبل المرزوقى

من طرف omar ouanane الأربعاء أبريل 16, 2014 8:29 pm

عولجت هذه القضية فى النقد العربى قبل المرزوقى عند عدد من النقاد ، و لم تكن قد عرفت تحت هذا 1المصطلح ، و لكنها كانت تناقش على اعتبار أن عمود الشعر هو الخصائص و المقومات التى يعتمد الشعر عليها و يقوم بها ، نجد ذلك الأمر عند الآمدى فى كتاب ( الموازنة ) حيث تعرض لكثير من أسس قيام العمل الشعرى ، و إن كان عمود الشعر عنده يفهم مفهوما لغويا و تنافش أسس قيام العمل الشعرى عند الآمدى على طريقة المحافظين وحدهم. ثم جاء بعد ذلك أبو هلال العسكرى فعرض أيضا لهذه المسألة و تناول كثيرا من الخصائص البلاغية و الفنية التى يرتكز عليها العمل الشعرى ، و هنا تلحظ أن القضية انتقلت من المفهوم اللغوى إلى المفهوم البلاغى ، و إن ظلت بغير هذا المصطلح. ثم جاء بعد ذلك القاضى عبد العزيز الجرجانى فأفاد بما كتبه السابقون و وضع له مصطلح عمود الشعر و كان ذلك أول ظهور لهذه القضية بمصطلحها الخاص بها.

قضية عمود الشعر عند المرزوقى

و لقد جاء تناول المرزوقى لهذه القضية التى سبقه إليها عدد من النقاد ، من خلال المقدمة الوجيزة التى سبقت شرح المرزوقى لديوان الحماسة. و من المعروف أن المرزوقى قد عالج فى هذه المقدمة عددا من القضايا النقدية ، و لكن أشهر القضايا التى عالجها هى قضية عمود الشعر. و لقد تتبع القضية فى عدة نقاط :

أولا ـ المتلقى يفتقد المعيار الذى يستطيع به أن يقف على المتميز من فنون القول و أن يحدد درجته من الجيد أو المتوسط أو الردئ.

ثانيا ـ و هو يبدأ فى السعى إلى هذا المعيار من خلال إرشاد المتلقى إلى ضرورة الإحاطة بما يجرى فى ساحة الأدب. و هنا يأخذ المرزوقى فى عرض وصفى لأحوال الأدباء و مواقفهم ، فينقسم إلى قسمين.

أنصار اللفظ و هم بدورهم ثلاثة

(أ) المهتمون بجزالة الألفاظ.
(ب) المهتمون بحسن المطالع و المقاطع ، و عطف الأواخر على الأوائل.
(ج) المهتمون بالبديع و زخارف الألفاظ.

أنصار المعنى

و هم الذين بستطيعون الوقوع على المعانى المعجبة الرائعة فيصيبون الوصف و يحرصون على شرف المعنى و يقاربون التشبيه ، و يلائمون فى الاستعارات بحيث يكون هناك تناسب بين المستعار له و المستعار منه.

يقف المرزوقى بعد أن يعرض لأحوال الأدباء عند هذا الحد الذى استوفى فيه عرض التراث السابق ، و يرى أن هذا العرض يختص بالقول النثرى و أنه لا يختلف فى شىء بالنسبة للقول الشعرى ، و إن كان الشعر يزيد عليه الأوزان و القوافى و هما من الضوابط و القيود التى لها تأثير فى الفن يعادل تأثير الألفاظ و المعانى.
و من خلال كل هذه العروض الوصفية ينتهى المرزوقى إلى إحصاء مقومات عمود الشعر و يحددها فى سبعة عناصر :

1ـ شرف المعنى.
2ـ مقاربة التشبيه.
3ـ إصابة الوصف.
4ـ التلاؤم بين المستعار له و المستعار منه.
5ـ جزالة اللفظ و استقامته.
6ـ مشاكلة اللفظ للمعنى و شدة اقتضائه له.
7ـ التحام أجزاء النظم مع تخير الوزن اللذيذ.

و هو بعد أن يحدد هذه الخصائص ، يقول : إنه بهذا المعيار يمكن أن يعرف قدر الأدب ، فمن حاز كل هذه الخصائص فى فنه كان المفلق المعظم ، و من لم يستطع أن يحوزها كلها كانت درجته بقدر سهمته فيها.

إن دور المرزوقى فى هذه النظرية دور وصفى و ليس معياريا من ناحية ، و من ناحية أخرى فإنه يقرر مسألة التفاوت النسبى بين الشعراء ، عندما يجعل الحكم على الشاعر بقدر ما يحصله من هذه المقومات التى تشكل عمود الشعر ، ثم إن المرزوقى يختتم نظريته بالعكوف على مسألة الذوق الفردى ، هذه المسألة التى من خلالها تولدت لديه قضية عمود الشعر عندما تحدث عن فقدان المعايير التى تعين القارئ على أن لا يشتط فى الجرى وراء ذوقه الخاص.
المرزوقى إذن يضع المعايير و الضوابط و القوانين التى تسعى إلى التوفيق قدر الإمكان بين أذواق المتلقين.