المواضيع الأخيرة
» عريش وديكورات تصاميم و صور مشبات وتراث بافضل العروض واحدث المساتمن طرف عمل مشب الثلاثاء فبراير 05, 2019 11:13 am
» تجهيز اجنحة معارض - ستاندات سهلة الفك والتركيب
من طرف mohamed berry الأربعاء يناير 30, 2019 10:37 am
» أفضل الطرق لتنسيق ملابس الشتاء للمحجبات
من طرف Ashraf الإثنين نوفمبر 26, 2018 9:37 am
» تعلن شركة ناب للدعاية والاعلان عن توفير ستاندات المعارض والمؤتمرات
من طرف mohamed berry الأربعاء أكتوبر 31, 2018 12:24 pm
» رول اب ستاند roll up stand
من طرف mohamed berry السبت أكتوبر 13, 2018 10:07 am
» ستاندات معارض ومؤتمرات
من طرف mohamed berry الإثنين يوليو 30, 2018 9:59 am
» فيلم الدراما Mary Magdalene 2018 مترجم
من طرف ندى صبرى الخميس يونيو 28, 2018 8:08 pm
» اهمية اتنظيف الخزان للحفاظ على صحة اطفالنا
من طرف nour mousa الجمعة مايو 18, 2018 8:40 am
» خطوات ونصائح لتنظيف منزلك بالكامل سريعا
من طرف nour mousa الجمعة مايو 18, 2018 8:39 am
» الفوائد الصحية للتنظيف بالبخار
من طرف nour mousa الجمعة مايو 18, 2018 8:37 am
دخول
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
tatamoun | ||||
روعة الحياة | ||||
همسة مشاعر | ||||
*perle blanche* | ||||
ƒŎŨảḊ.Ḿ | ||||
أميرة بكلمتي | ||||
همس الرقراق | ||||
انتصار | ||||
wassan | ||||
الزهور الملكية |
احصائيات
هذا المنتدى يتوفر على 1338 عُضو.آخر عُضو مُسجل هو Mero Mohamed فمرحباً به.
أعضاؤنا قدموا 27286 مساهمة في هذا المنتدى في 4447 موضوع
أفضل 10 أعضاء في هذا الأسبوع
لا يوجد مستخدم |
نوفمبر 2024
الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت | الأحد |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | 3 | ||||
4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 |
11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 |
18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 | 24 |
25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
أفضل الأعضاء الموسومين
لا يوجد مستخدم |
المواضيع الأكثر شعبية
أفضل 10 فاتحي مواضيع
روعة الحياة | ||||
tatamoun | ||||
همسة مشاعر | ||||
أميرة بكلمتي | ||||
دورات | ||||
ƒŎŨảḊ.Ḿ | ||||
*perle blanche* | ||||
wassan | ||||
همس الرقراق | ||||
ربيع سوفت |
أفضل 10 أعضاء في هذا الشهر
لا يوجد مستخدم |
نموذج لتحليل قصيدة شعرية - خطاب الإحياء - قصيدة تعيرني هند لعلال الفاسي
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
نموذج لتحليل قصيدة شعرية - خطاب الإحياء - قصيدة تعيرني هند لعلال الفاسي
عرفت المجتمعات العربية ابتداء من نهاية القرن التاسع عشر
بزوغ حركات تحررية ضد القوى الاستعمارية ، و قد رفعت شعار العودة إلى
الماضي ، لا سيما في عصوره المزدهرة ، و لم يكن الشعر بمنأى عن ذلك ، إذ
واكب تلك الحركات خطاب
جديد ، أزاح عن النص اشعري كلفة التلاعب اللفظي ، و الأصباغ البديعية ، و
أعاد النظر في مفهوم الشعر و وظيفته ، حيث أصبح الشعر فيض وجدان و تألق
خيال ، يسهم في الحث على الفضائل ، و تهذيب النفوس ، بعد أن كان مجرد تسلية
و ملهاة ؛ و قد عمل رواد هذا التيار على استلهام التراث الشعري المزدهر ، و
ركزوا على الجانب البياني ، فبنوا الصور الشعرية على التشبيه و الاستعارة و
المجاز .و لم يكن هذا التيار يخص بقعة جغرافية دون أخرى ، بل شمل الوطن
العربي مشرقه و مغربه ، حيث برز البارودي و شوقي و الروصافي و الزهاوي في
المشرق ، و برز محمد بن إبراهيم و المختار السوسي و عبد الله كنون و عبد
الماك البلغيثي و علال الفاسي في المغرب ، و يعتبر هذا الأخير من المناضلين
الذين حاربوا المستعمر عهد الحماية ، و من المصلحين الاجتماعيين بعد
الاستقلال ؛ فإلى أي حد يعكس نصه الذي نحن بصدد تحليله خصائص خطاب إحياء النوذج ؟ و
ما مدى تمثيل النص لنضال علال الفاسي و علاقته بواقع أمته المأزوم ؟
انطلاقا من شكل النص القائم على نظام الشطرين المتناظرين و
وحدة القافية و الروي ، و انطلاقا من العنوان الذي جاء جملة فعلية تدل على
التجدد و الاستمرار ، و الذي يحيل على صراع بين الشاعر و هند هذا الاسم الذي له
امتدادات في الثقافة العربية القديمة ، و انطلاقا من معنى البيت الأول الذي
ينكر فيه الشاعر على نفسه اللعب و اللهو بعد عامه الخامس عشر ؛ نفترض
ابتداء أن يتحدث علال الفاسي عن علاقته بهند سبب تعييرها له ، كما نفترض أن
يتحدث عن سبب إقباله على الجد في هذا السن المبكر متمثلا معاني الأسلاف ، و
متبعا طريقتهم في البناء و التصوير ، فإلى أي حد سيكون هذا الافتراض صحيحا
؟
يبدأ علال قصيدته منكرا على نفسه اللعب بعد مرور عامه
الخامس عشر ، هذا العام الذي يعتبر في نظره فاصلا بين مرحلتي اللعب و الجد ،
و ذلك الإنكار راجع إلى همته العالية التي تبلغ عنان السماء ، و آماله
العريضة التي تذهب هباء إن استمر في اللهو و اللعب ، غير أن إقباله على
الجد لا يرجع فقط إلى هذا العامل الذاتي الذي بينه في الأبيات الثلاثة
الأولى ، بل يرجع أساسا إلى الوضعية المزرية التي آلت إليها أمته التي لم
تجد بعدُ طريقا إلى الحياة الكريمة التي تطمح إليها ؛ و من هنا فإن فتوة
الشاعر ، و مرحلة شبابه كانت حسرة و تفجعا على هذا الوضع الأليم الذي جعله
لا يستسيغ الطعام ، و لا يلتذ بالشراب ، و لا يهنأ بالنوم ، و حتى إن نام
قليلا فإنه كمن يفترش جمر الغضا ؛ كل هذا جعله غريبا بين قومه ، لأن هذه
نتيجة حتمية لمن كان تفكيره على هذا النحو . و هذا العذاب المتنوع لم يكن
أثره على الشاعر نفسيا فقط ، و إنما كان جسديا أيضا ، تجلى في نحوله الذي
لم يُرْضِ هند ،
فعابت الشاعر به و عيرته ، و لكنه يحتمل ذلك و لا يرد عليها ، لأنها تجهل
أن سبب نحافته تحسرُه المفرط على وضع أمته ، كما أنها تجهل أن دواءه بسيط ،
و هو دمعة تشفي غليله ، لكن أنى له الدموع ؟ فقد جفت مجاريها ، لذا فإنه
يصرف الخطاب في الوحدة الأخيرة إلى من يلجا إليه المكروب و ترفع إليه
الأيدي ، متمنيا بل راجيا تحقق الشفاء و انتهاء الشقاء ، معبرا عن إيمانه
بقضاء الله و قدره .
و من هنا يتضح أن الموضوعات التي يثيرها النص لها امتداد في
التراث العربي ، و تتراوح بين التغني الذاتي بالهمة العالية و بعد النظر ،
و التحسر على وضع الجماعة ، التضرع إلى الله عز و جل لكشف الكرب و البلاء .
و الملاحظ أن التيمة المهيمنة على النص هي تيمة التحسر و
الأسى ، و قد توزعت عبر حقلين دلاليين : الأول ذاتي يرتبط بالشاعر و الثاني
جماعي يعبر عن الأمة .
و يمكن تقسيم معجم الحقل الأول إلى ثلاث مجوعات :
1 - ألعب - أطرب - لاعبت ...
2 - لي نظر عال - نفس أبية - عندي آمال ....
3 - تحسرا - ما ساغ لي طعم - لا راق لي نوم - أتعذب ..
و هكذا نجد ألفاظ اللهو و اللعب تسيطر على المجموعة الأولى و
لكنها وردت في سياق الإنكار و الرفض ، أما ألفاظ المجموعة الثانية فإنها
تعكس سبب ذلك الرفض و الإنكار ، إذ نلفيها تعكس قوة عزيمة الشاعر التي
تتعارض مع اللهو و اللعب ، بينما يغلب طابع المعاناة على امجموعة الثالثة ،
و هذه المعاناة ترجع إضافة إلى علاقة الصراع بين المجموعتين السابقتين ،
إلى الحقل الثاني الذي يمثل الجماعة التي ينتمي إليها الشاعر ؛ و من ألفاظ
هذا الحقل : ( لي أمة منكودة الحظ - لم تجد سبيلا إلى العيش - أهلي و معشري
..)غير أن حضور هذا الحقل باهت في النص ، مثل قوم الشاعر في الواقع، بل إن
ذات الشاعر تسربت إليه عبر ياء المتكلم.
و الذي لا ريب فيه أن بين الحقلين علاقة سببية : فتخلف أمة
الشاعر هو سبب معاناته و تحسره ، و ذلك التخلف قد جعله شبه يائس من الإصلاح
الذاتي الداخلي ، لذا يتضرع إلى المدد الإلاهي كي يحسم الأمر .و الحقيقة
أن هذه المعاني و الأفكار التي عبر عنها الشاعر لها امتداد في ماضي الشعر
العربي ، و قد غذاها الشاعر بواقع أمته المأزوم؛ و أول مظاهر ذلك التأثر
بالماضي نجده في اختيار اسم
هند تلك المرأة التي كانت ترى في نفسها سيدة نساء العالمين ، و التي
تسبب كبرياؤها في قتل ابنها الملك بعد أن أنفت أم الشاعر عمرو بن كلثوم أن
تناولها الطبق و استغاثت بابنها بعد إلحاح هند ؛ فهند لا تفتأ توقظ
الفتن عبر العصور ، و إن كانت في قصيدة علال الفاسي تبحث
فقط عن مواصفات الرجل القوي لأن النحافة يتغزل بها في المرأة ، و ليست من
سمات الرجال في نظر هند
التي ليست الوحيدة من أثار نحولة الشاعر ، فقد سبقتها نساء كثيرات من
بينهن تلك التي تعجبت من نحول أبي تمام :
تَعَجَّبُ أن رأتْ جسمي نحيلا
كأن المجد يُدْرَكُ بالصراع
فعلال الفاسي نحيل مثل أبي تمام ، و هو مثله أيضا يبين موقف
المرأة من هذا النحول ، و إن كانت امرأة أبي تمام اكتفت بالتعجب ، فإنها
في بيت علال الفاسي تجاوزت ذلك إلى العيب و التعيير .
كما نجد تغني الشعراء قديما بإقبالهم على الجد فهذا الإمام
الشافعي قد قال :
على قدر الجد تكتسب المعالي
و من طلب العلا سهِر اليالي
بل كأن علال الفاسي قد استجاب لنصيحة المتنبي قديما حين قال
:
إذا غامرت في شرف مروم
فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر حقير
كطعم الموت في أمر عظيم
كما أن شقاء صاحب الفكر معنى قديم تداوله الشعراء قديما ،
حيث أبرز أبو تمام هذه الثنائية الغريبة حين قال :
و ذو العقل يشقى في النعيم بعقله
و أخو الجهالة في الشقاوة ينعم
و تبلغ قمة الاقتباس من القديم أقصاها في البيت التاسع حيث
يستدعي علال الفاسي بيت امرئ القيس في معلقته الشهيرة :
و ان شفائي عبرة مُهَـــــــراقة
فهل عند رس دارس من معوَّل
فالدموع شفاء للشاعرين رغم اختلاف سبب البكاء ، امر القيس
بسبب رحيل الأحباب فهو يبكي على الأطلال ، أما علال الفاسي فبسبب تخلف
القوم و الأصحاب ، إلا أن هذا التخلف شبيه بالرحيل ، فواقع شاعرنا يكاد
يشبه أطلال امرئ لبقيس ، باعتبار أن الأمة العربية قد رحلت من دنيا الحضارة
و التقدم ، و لم تجد بعدُ سبيلا إلى العيش الكريم ؛ و لا يقف استدعاء بيت
امرئ القيس عند الصدر ، بل يتجاوزه إلى العجُز أيضا ، حين نجد نغمة التساؤل
حاضرة عند الشاعرين : امرئ القيس يبحث عن شفائه في الرسم الدارس ، بينما
يتضرع علال الفاسي إلى الله عز وجل كي يمده بالدموع التي نضبت.
و هذا التشابه الكبير بين البيتين أتاحته البنية الإيقاعية ،
إذ سهل بحر الطويل (فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن)على علال الفاسي أن يستدعي
عبارة كاملة لامرئ القيس : ( و أن شفائي عبرة )=فعول مفاعيلن فعو ؛ و
الملاحظ أن هذا البحر قد نظم عليه أغلب الشعراء قديما ، بل هيمن على أجود
القصائد ، و يكفينا أن نشير إلى أن ثلاث معلقات من المعلقات السبع قد نظمت
على هذا البحر الذي يتيح نفَسه الطويل الحرية للشاعر كي يعبر عن حرقته، و
يصف واقع أمته ، و قد اختار الشاعر أن يقفي المطلع لأنه أول ما يقرع السمع ،
و لأن الشعراء قديما اهتموا بتجويد مطالعهم بهذا العنصر الإيقاعي ؛ و قد
أدى قبض ضرب هذه القصيدة إلى أن تكون قافيتها مطلقة من المتدارك ، و معلوم
أن الإطلاق هو ثورة على السكون الذي لا ينسجم و همة الشاعر العالية ، بل إن
اختيار صائت الضم كحركة لحرف الروي له دلالة وثيقة بهمة الشاعر القوية و
نظره العالي ، أضف إلى هذا فإن حرف الروي ذاته قد جاء منسجما مع إيقاع
القصيدة القوي باعتباره حرفا مجهورا انفجاريا شفويا.
كما اعتمد الشاعر على التوازي المقطعي بين الأبيات الثاني و
الثالث و الرابع كما يتضح مما يلي :
حرف عطف (و- و - و ) شبه جملة خبرمقدم (لي -عندي -لي )
مبتدأ مؤخر ( نظر -آمال - أمة)
ثم يخالف في البيت الخامس عندما يبدأ بجملة فعلية ( قضيت ) ،
ليعود إلى التوازي في عجز البيت الخامس و صدر البيت السادس كما يتضح مما
يلي :
حرف نفي (ما - لا - لا ) فعل ماض ( ساغ - لذ - راق ) جار و
مجرور مقدم على الفاعل ( لي -.. - لي ) الفاعل ( طعم - مشرب - نوم )
ثم يتخلى عن التوازي في صدر البيت السادس معتمدا على
دينامية المؤالفة و المخالفة التي تشد المتلقي و تربطه بالنص ، ليعود إلى
التوازي المقطعي مرة أخرى بين البيتين العاشر و الحادي عشر :
بيت 10 = بيت 11
حرف استفهام : هل
فعل مضارع : يبقى - تلد
فاعل : الشقاء - الأيام
و الملاحظ أن هذه النماذج من الناحية الدلالية قائمة تارة
على الترادف ( لي نظر عال=عندي آمال ، ما ساغ لي طعم = لا راق لي نوم ) و
تارة على التضاد ( عندي آمال - لي أمة منكودة الحظ ).
كما اعتمد الشاعر عل تكرار صامت الهمزة في المطلع أربع مرات
، و معلوم أن هذا الصامت يخرج من أقصى الحلق ، كما يتكرر صامت العين في
البيت ذاته ، و في هذا التركيز على الصوامت الحلقية في المطلع دلالة على
غصة الشاعر التي لا يستطيع إخفاءها منذ المطلع .
إضافة إلى تكرار بعض الكلمات كالجناس الاشتقاقي في البيت
السادس ( نوم - نمت ) و في البيت السابع ( غريبا يغرب )و الذي يسمى في
البلاغة العربية رد الأعجاز على الصدور ، و قد أدى الجناس الاشتقاقي
وظيقتين مزدوجتين : و ظيفة جمالية تزيينية ، و أخرى دلالية ، لما في ذلك
التكرار من تأكيد على المعنى المحمول و لعب بأذن المتلقي .
و لم تقتصر هذه الوظائف على الجانب الإيقاعي بل شملت الصور
الشعرية أيضا ، حيث نجد النص غنيا بالصور الشعرية القائمة على المشابهة
تارة ، و على المجاورة تارة ثانية ؛ إذ نجد الاستعارة تهيمن على الصور
القائمة على المشابهة ، و من ذلك الاستعارة التصريحية ، حيث استعار الشاعر
لفتوة عمره و قوة شبابه كلمة زهر من حقل الطبيعة للدلالة على تلك المرحلة
الغضة من حياة الإنسان ، كما استعار جمر الغضا الذي لا تخمد جذوته للفراش ،
ثم حذف المستعار له و ذكر المستعار منه فقط ، و ذلك للتعبير عن كثرة
التقلب و عدم النوم ؛ و فرق كبير بين أن يقول الشاعر زهر عمري و بين أن
يقول مرحلة شبابي ، أو بين أن يقول على جمر الغضا أتقلب و بين أن يقول لا
أستطيع النوم ؛ حيث إنه إضافة إلى الوظيفة الجمالية التي تجعل النص شعريا ،
نجد ذلك التغريب المقترن بالمفارقة الدلالية ، سواء بين الزهر و التحسر
كما في الصورة الأولى ، أو بين جمر الغضا و النوم كما في الصورة الثانية .
كما اعتمد الشاعر أيضا على الاستعارة المكنية في صدر البيت الحادي عشر حيث
شبه الأيام بنساء لهن أرحام ، ثم حذف المشبه به و ذكر أحد لوازمه الذي هو
فعل الولادة ، كما رشح هاته الاستعارة حين شبه المصائب و ما "لا يوده
"ببنين ثم حذف المشبه به ، و لكنه مفهوم من سياق الجملة ، و إلى جانب
الوظيفة التزيينة لهذه الاستعارة ، فإنها تكشف عن إيمان الشاعر الذي أسند
الفعل القبيح للأيام - و من هذه الزاوية تصبح الاستعارة مجازا عقليا علاقته
الفاعلية - و رجا زواله من الله تعالى .
كما شكل علال الفاسي صورا شعرية قائمة على
المجاورة ، على نحو ما نجد في البيت الثاني ، فقوله : " لي نظر عال " يريد
به لازم المعنى الذي هو الطموح و الإرادة القوية التي كنى عنها في العَجُز
أيضا بالمقام على هام المجرة ؛ كما اعتمد الكناية في قوله " ما ساغ لي طعم "
و " لا لذ مشرب " و " لا راق لي نوم " إذ يقصد همه الذي يلزم عن تلك
الأفعال المنفية ، و من هنا فإن هذه الصور كانت ذات وظيفة إقناعية لأنه قدم
لنا البينة و الدليل ، إضافة إلى التغريب و التزيين .
و قد زاوج الشاعر في نصه بين الأسلوبين الخبري و الإنشائي ،
مع هيمنة ملحوظة للأسلوب الأول عندما يخبرنا الشاعر بهمته و طموحه و و اقع
أمته الأليم معتمدا على الخبر الابتدائي ما دام يرى مخاطبه خالي الذهن غير
متردد و لا منكر ، بينما اعتمد على الخبر الطلبي عندما تحدث عن حالته بعد
تعيير هند له ، و
كأنه رأى علامات الشك على محياها فأكد الخبر ب"أن"؛ في حين يحضر الأسلوب
الإنشائي بقوة في الوحدة الأخيرة عندما يتضرع الشاعر إلى الله عز و جل من
خلال النداء : ( يا رب ) و الاستفهام : ( هل حتى المدامع تنضب ؟ هل يبقى
الشقاء مخيما ؟ هل تلد الأيام ما لا أوده؟ ) و الأمر : ( اقض ) ، و قد
انتقلت إلى معنى استلزامي قائم اساسا على الدعاء المقترن بتالرجاء ما دام
الخطاب موجها من الضعيف الأدنى ( الشاعر ) إلى القوي الأعلى ( الله تعالى )
. بينما كان المعنى الاستلزامي لأسلوب الاستفهام في مطلع النص هو الإنكار ،
لأن الشاعر ينكر على نفسه اللعب بعد مرور عامه الخامس عشر .
و يلاحظ هيمنة ضمير المتكلم على جل أطوار القصيدة ( ألعب -
لي - عمري - أهلي - شفائي ....) إلى جانب حضور ضمائر أخرى كضمير الغائب
المؤنث المفرد الذي يعود تارة إلى آمال الشاعر ( بلوغها ) و تارة على أمته (
عليها) و ثالثة على هند
( درتْ ) و رابعة على دمعته ( وجدتها ) ، و كذلك ضمير المخاطب المفرد
المذكر حين يتوجه الشاعر في الوحدة الأخيرة بالدعاء و التضرع إلى الله عز
وجل الحاضر في قلبه و وجدانه : ( تباركت - أنت - اقض ). كما نجد في النص
أسلوب التقديم و التأخير كتقديم الخبر ( لي - عندي ..) في الأبيات الثاني و
الثالث و الرابع ، و تقديم شبه الجمل على الفاعل في قوله : ( ساغ لي طعم -
راق لي نوم ) و كل هذا التقديم كان من أجل لفت الانتباه ، لا سيما و أن
المقدَّم كان يقترن دائما بضمير المتكلم الذي يرتبط بذات الشاعر المكلوم
مما آل إليه واقع أمته.
و هكذا يتضح أن علال الفاسي قد تمثل خطاب الإحياء ، حين تمثَّل
معاني الأسلاف في قصيدته كالجد و الهمة العالية و الارتباط بالجماعة و
الإيمان بالقضاء و القدر إلا أن هذا التمثل لم يكن جامدا و إنما امتزج
بواقع الشاعر البئيس ، كما يظهر هذا التمثل في شكل النص و خصائصه الفنية ، و
ذلك باعتماد الشاعر - كما رأينا - على بحر الطويل و الصور الشعرية
البيانية لا سيما الاستعارة و الكناية. و انطلاقا مما سلف نجزم بصحة
الفرضية التي أشرنا إليها في المقدمة ، مع الإشارة إلى أن العنوان كان
مراوغا لأن العلاقة في النص غير محصورة بين الشاعر و هند كما قد يفهم من
الوهلة الأولى ، بل إن حديثه عن هند لم يتجاوز بيتا
يتيما ، و هذا ما أضفى جمالية على النص ، و حث القارئ على إعادة قراءته من
جديد.
بزوغ حركات تحررية ضد القوى الاستعمارية ، و قد رفعت شعار العودة إلى
الماضي ، لا سيما في عصوره المزدهرة ، و لم يكن الشعر بمنأى عن ذلك ، إذ
واكب تلك الحركات خطاب
جديد ، أزاح عن النص اشعري كلفة التلاعب اللفظي ، و الأصباغ البديعية ، و
أعاد النظر في مفهوم الشعر و وظيفته ، حيث أصبح الشعر فيض وجدان و تألق
خيال ، يسهم في الحث على الفضائل ، و تهذيب النفوس ، بعد أن كان مجرد تسلية
و ملهاة ؛ و قد عمل رواد هذا التيار على استلهام التراث الشعري المزدهر ، و
ركزوا على الجانب البياني ، فبنوا الصور الشعرية على التشبيه و الاستعارة و
المجاز .و لم يكن هذا التيار يخص بقعة جغرافية دون أخرى ، بل شمل الوطن
العربي مشرقه و مغربه ، حيث برز البارودي و شوقي و الروصافي و الزهاوي في
المشرق ، و برز محمد بن إبراهيم و المختار السوسي و عبد الله كنون و عبد
الماك البلغيثي و علال الفاسي في المغرب ، و يعتبر هذا الأخير من المناضلين
الذين حاربوا المستعمر عهد الحماية ، و من المصلحين الاجتماعيين بعد
الاستقلال ؛ فإلى أي حد يعكس نصه الذي نحن بصدد تحليله خصائص خطاب إحياء النوذج ؟ و
ما مدى تمثيل النص لنضال علال الفاسي و علاقته بواقع أمته المأزوم ؟
انطلاقا من شكل النص القائم على نظام الشطرين المتناظرين و
وحدة القافية و الروي ، و انطلاقا من العنوان الذي جاء جملة فعلية تدل على
التجدد و الاستمرار ، و الذي يحيل على صراع بين الشاعر و هند هذا الاسم الذي له
امتدادات في الثقافة العربية القديمة ، و انطلاقا من معنى البيت الأول الذي
ينكر فيه الشاعر على نفسه اللعب و اللهو بعد عامه الخامس عشر ؛ نفترض
ابتداء أن يتحدث علال الفاسي عن علاقته بهند سبب تعييرها له ، كما نفترض أن
يتحدث عن سبب إقباله على الجد في هذا السن المبكر متمثلا معاني الأسلاف ، و
متبعا طريقتهم في البناء و التصوير ، فإلى أي حد سيكون هذا الافتراض صحيحا
؟
يبدأ علال قصيدته منكرا على نفسه اللعب بعد مرور عامه
الخامس عشر ، هذا العام الذي يعتبر في نظره فاصلا بين مرحلتي اللعب و الجد ،
و ذلك الإنكار راجع إلى همته العالية التي تبلغ عنان السماء ، و آماله
العريضة التي تذهب هباء إن استمر في اللهو و اللعب ، غير أن إقباله على
الجد لا يرجع فقط إلى هذا العامل الذاتي الذي بينه في الأبيات الثلاثة
الأولى ، بل يرجع أساسا إلى الوضعية المزرية التي آلت إليها أمته التي لم
تجد بعدُ طريقا إلى الحياة الكريمة التي تطمح إليها ؛ و من هنا فإن فتوة
الشاعر ، و مرحلة شبابه كانت حسرة و تفجعا على هذا الوضع الأليم الذي جعله
لا يستسيغ الطعام ، و لا يلتذ بالشراب ، و لا يهنأ بالنوم ، و حتى إن نام
قليلا فإنه كمن يفترش جمر الغضا ؛ كل هذا جعله غريبا بين قومه ، لأن هذه
نتيجة حتمية لمن كان تفكيره على هذا النحو . و هذا العذاب المتنوع لم يكن
أثره على الشاعر نفسيا فقط ، و إنما كان جسديا أيضا ، تجلى في نحوله الذي
لم يُرْضِ هند ،
فعابت الشاعر به و عيرته ، و لكنه يحتمل ذلك و لا يرد عليها ، لأنها تجهل
أن سبب نحافته تحسرُه المفرط على وضع أمته ، كما أنها تجهل أن دواءه بسيط ،
و هو دمعة تشفي غليله ، لكن أنى له الدموع ؟ فقد جفت مجاريها ، لذا فإنه
يصرف الخطاب في الوحدة الأخيرة إلى من يلجا إليه المكروب و ترفع إليه
الأيدي ، متمنيا بل راجيا تحقق الشفاء و انتهاء الشقاء ، معبرا عن إيمانه
بقضاء الله و قدره .
و من هنا يتضح أن الموضوعات التي يثيرها النص لها امتداد في
التراث العربي ، و تتراوح بين التغني الذاتي بالهمة العالية و بعد النظر ،
و التحسر على وضع الجماعة ، التضرع إلى الله عز و جل لكشف الكرب و البلاء .
و الملاحظ أن التيمة المهيمنة على النص هي تيمة التحسر و
الأسى ، و قد توزعت عبر حقلين دلاليين : الأول ذاتي يرتبط بالشاعر و الثاني
جماعي يعبر عن الأمة .
و يمكن تقسيم معجم الحقل الأول إلى ثلاث مجوعات :
1 - ألعب - أطرب - لاعبت ...
2 - لي نظر عال - نفس أبية - عندي آمال ....
3 - تحسرا - ما ساغ لي طعم - لا راق لي نوم - أتعذب ..
و هكذا نجد ألفاظ اللهو و اللعب تسيطر على المجموعة الأولى و
لكنها وردت في سياق الإنكار و الرفض ، أما ألفاظ المجموعة الثانية فإنها
تعكس سبب ذلك الرفض و الإنكار ، إذ نلفيها تعكس قوة عزيمة الشاعر التي
تتعارض مع اللهو و اللعب ، بينما يغلب طابع المعاناة على امجموعة الثالثة ،
و هذه المعاناة ترجع إضافة إلى علاقة الصراع بين المجموعتين السابقتين ،
إلى الحقل الثاني الذي يمثل الجماعة التي ينتمي إليها الشاعر ؛ و من ألفاظ
هذا الحقل : ( لي أمة منكودة الحظ - لم تجد سبيلا إلى العيش - أهلي و معشري
..)غير أن حضور هذا الحقل باهت في النص ، مثل قوم الشاعر في الواقع، بل إن
ذات الشاعر تسربت إليه عبر ياء المتكلم.
و الذي لا ريب فيه أن بين الحقلين علاقة سببية : فتخلف أمة
الشاعر هو سبب معاناته و تحسره ، و ذلك التخلف قد جعله شبه يائس من الإصلاح
الذاتي الداخلي ، لذا يتضرع إلى المدد الإلاهي كي يحسم الأمر .و الحقيقة
أن هذه المعاني و الأفكار التي عبر عنها الشاعر لها امتداد في ماضي الشعر
العربي ، و قد غذاها الشاعر بواقع أمته المأزوم؛ و أول مظاهر ذلك التأثر
بالماضي نجده في اختيار اسم
هند تلك المرأة التي كانت ترى في نفسها سيدة نساء العالمين ، و التي
تسبب كبرياؤها في قتل ابنها الملك بعد أن أنفت أم الشاعر عمرو بن كلثوم أن
تناولها الطبق و استغاثت بابنها بعد إلحاح هند ؛ فهند لا تفتأ توقظ
الفتن عبر العصور ، و إن كانت في قصيدة علال الفاسي تبحث
فقط عن مواصفات الرجل القوي لأن النحافة يتغزل بها في المرأة ، و ليست من
سمات الرجال في نظر هند
التي ليست الوحيدة من أثار نحولة الشاعر ، فقد سبقتها نساء كثيرات من
بينهن تلك التي تعجبت من نحول أبي تمام :
تَعَجَّبُ أن رأتْ جسمي نحيلا
كأن المجد يُدْرَكُ بالصراع
فعلال الفاسي نحيل مثل أبي تمام ، و هو مثله أيضا يبين موقف
المرأة من هذا النحول ، و إن كانت امرأة أبي تمام اكتفت بالتعجب ، فإنها
في بيت علال الفاسي تجاوزت ذلك إلى العيب و التعيير .
كما نجد تغني الشعراء قديما بإقبالهم على الجد فهذا الإمام
الشافعي قد قال :
على قدر الجد تكتسب المعالي
و من طلب العلا سهِر اليالي
بل كأن علال الفاسي قد استجاب لنصيحة المتنبي قديما حين قال
:
إذا غامرت في شرف مروم
فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر حقير
كطعم الموت في أمر عظيم
كما أن شقاء صاحب الفكر معنى قديم تداوله الشعراء قديما ،
حيث أبرز أبو تمام هذه الثنائية الغريبة حين قال :
و ذو العقل يشقى في النعيم بعقله
و أخو الجهالة في الشقاوة ينعم
و تبلغ قمة الاقتباس من القديم أقصاها في البيت التاسع حيث
يستدعي علال الفاسي بيت امرئ القيس في معلقته الشهيرة :
و ان شفائي عبرة مُهَـــــــراقة
فهل عند رس دارس من معوَّل
فالدموع شفاء للشاعرين رغم اختلاف سبب البكاء ، امر القيس
بسبب رحيل الأحباب فهو يبكي على الأطلال ، أما علال الفاسي فبسبب تخلف
القوم و الأصحاب ، إلا أن هذا التخلف شبيه بالرحيل ، فواقع شاعرنا يكاد
يشبه أطلال امرئ لبقيس ، باعتبار أن الأمة العربية قد رحلت من دنيا الحضارة
و التقدم ، و لم تجد بعدُ سبيلا إلى العيش الكريم ؛ و لا يقف استدعاء بيت
امرئ القيس عند الصدر ، بل يتجاوزه إلى العجُز أيضا ، حين نجد نغمة التساؤل
حاضرة عند الشاعرين : امرئ القيس يبحث عن شفائه في الرسم الدارس ، بينما
يتضرع علال الفاسي إلى الله عز وجل كي يمده بالدموع التي نضبت.
و هذا التشابه الكبير بين البيتين أتاحته البنية الإيقاعية ،
إذ سهل بحر الطويل (فعولن مفاعيلن فعولن مفاعلن)على علال الفاسي أن يستدعي
عبارة كاملة لامرئ القيس : ( و أن شفائي عبرة )=فعول مفاعيلن فعو ؛ و
الملاحظ أن هذا البحر قد نظم عليه أغلب الشعراء قديما ، بل هيمن على أجود
القصائد ، و يكفينا أن نشير إلى أن ثلاث معلقات من المعلقات السبع قد نظمت
على هذا البحر الذي يتيح نفَسه الطويل الحرية للشاعر كي يعبر عن حرقته، و
يصف واقع أمته ، و قد اختار الشاعر أن يقفي المطلع لأنه أول ما يقرع السمع ،
و لأن الشعراء قديما اهتموا بتجويد مطالعهم بهذا العنصر الإيقاعي ؛ و قد
أدى قبض ضرب هذه القصيدة إلى أن تكون قافيتها مطلقة من المتدارك ، و معلوم
أن الإطلاق هو ثورة على السكون الذي لا ينسجم و همة الشاعر العالية ، بل إن
اختيار صائت الضم كحركة لحرف الروي له دلالة وثيقة بهمة الشاعر القوية و
نظره العالي ، أضف إلى هذا فإن حرف الروي ذاته قد جاء منسجما مع إيقاع
القصيدة القوي باعتباره حرفا مجهورا انفجاريا شفويا.
كما اعتمد الشاعر على التوازي المقطعي بين الأبيات الثاني و
الثالث و الرابع كما يتضح مما يلي :
حرف عطف (و- و - و ) شبه جملة خبرمقدم (لي -عندي -لي )
مبتدأ مؤخر ( نظر -آمال - أمة)
ثم يخالف في البيت الخامس عندما يبدأ بجملة فعلية ( قضيت ) ،
ليعود إلى التوازي في عجز البيت الخامس و صدر البيت السادس كما يتضح مما
يلي :
حرف نفي (ما - لا - لا ) فعل ماض ( ساغ - لذ - راق ) جار و
مجرور مقدم على الفاعل ( لي -.. - لي ) الفاعل ( طعم - مشرب - نوم )
ثم يتخلى عن التوازي في صدر البيت السادس معتمدا على
دينامية المؤالفة و المخالفة التي تشد المتلقي و تربطه بالنص ، ليعود إلى
التوازي المقطعي مرة أخرى بين البيتين العاشر و الحادي عشر :
بيت 10 = بيت 11
حرف استفهام : هل
فعل مضارع : يبقى - تلد
فاعل : الشقاء - الأيام
و الملاحظ أن هذه النماذج من الناحية الدلالية قائمة تارة
على الترادف ( لي نظر عال=عندي آمال ، ما ساغ لي طعم = لا راق لي نوم ) و
تارة على التضاد ( عندي آمال - لي أمة منكودة الحظ ).
كما اعتمد الشاعر عل تكرار صامت الهمزة في المطلع أربع مرات
، و معلوم أن هذا الصامت يخرج من أقصى الحلق ، كما يتكرر صامت العين في
البيت ذاته ، و في هذا التركيز على الصوامت الحلقية في المطلع دلالة على
غصة الشاعر التي لا يستطيع إخفاءها منذ المطلع .
إضافة إلى تكرار بعض الكلمات كالجناس الاشتقاقي في البيت
السادس ( نوم - نمت ) و في البيت السابع ( غريبا يغرب )و الذي يسمى في
البلاغة العربية رد الأعجاز على الصدور ، و قد أدى الجناس الاشتقاقي
وظيقتين مزدوجتين : و ظيفة جمالية تزيينية ، و أخرى دلالية ، لما في ذلك
التكرار من تأكيد على المعنى المحمول و لعب بأذن المتلقي .
و لم تقتصر هذه الوظائف على الجانب الإيقاعي بل شملت الصور
الشعرية أيضا ، حيث نجد النص غنيا بالصور الشعرية القائمة على المشابهة
تارة ، و على المجاورة تارة ثانية ؛ إذ نجد الاستعارة تهيمن على الصور
القائمة على المشابهة ، و من ذلك الاستعارة التصريحية ، حيث استعار الشاعر
لفتوة عمره و قوة شبابه كلمة زهر من حقل الطبيعة للدلالة على تلك المرحلة
الغضة من حياة الإنسان ، كما استعار جمر الغضا الذي لا تخمد جذوته للفراش ،
ثم حذف المستعار له و ذكر المستعار منه فقط ، و ذلك للتعبير عن كثرة
التقلب و عدم النوم ؛ و فرق كبير بين أن يقول الشاعر زهر عمري و بين أن
يقول مرحلة شبابي ، أو بين أن يقول على جمر الغضا أتقلب و بين أن يقول لا
أستطيع النوم ؛ حيث إنه إضافة إلى الوظيفة الجمالية التي تجعل النص شعريا ،
نجد ذلك التغريب المقترن بالمفارقة الدلالية ، سواء بين الزهر و التحسر
كما في الصورة الأولى ، أو بين جمر الغضا و النوم كما في الصورة الثانية .
كما اعتمد الشاعر أيضا على الاستعارة المكنية في صدر البيت الحادي عشر حيث
شبه الأيام بنساء لهن أرحام ، ثم حذف المشبه به و ذكر أحد لوازمه الذي هو
فعل الولادة ، كما رشح هاته الاستعارة حين شبه المصائب و ما "لا يوده
"ببنين ثم حذف المشبه به ، و لكنه مفهوم من سياق الجملة ، و إلى جانب
الوظيفة التزيينة لهذه الاستعارة ، فإنها تكشف عن إيمان الشاعر الذي أسند
الفعل القبيح للأيام - و من هذه الزاوية تصبح الاستعارة مجازا عقليا علاقته
الفاعلية - و رجا زواله من الله تعالى .
كما شكل علال الفاسي صورا شعرية قائمة على
المجاورة ، على نحو ما نجد في البيت الثاني ، فقوله : " لي نظر عال " يريد
به لازم المعنى الذي هو الطموح و الإرادة القوية التي كنى عنها في العَجُز
أيضا بالمقام على هام المجرة ؛ كما اعتمد الكناية في قوله " ما ساغ لي طعم "
و " لا لذ مشرب " و " لا راق لي نوم " إذ يقصد همه الذي يلزم عن تلك
الأفعال المنفية ، و من هنا فإن هذه الصور كانت ذات وظيفة إقناعية لأنه قدم
لنا البينة و الدليل ، إضافة إلى التغريب و التزيين .
و قد زاوج الشاعر في نصه بين الأسلوبين الخبري و الإنشائي ،
مع هيمنة ملحوظة للأسلوب الأول عندما يخبرنا الشاعر بهمته و طموحه و و اقع
أمته الأليم معتمدا على الخبر الابتدائي ما دام يرى مخاطبه خالي الذهن غير
متردد و لا منكر ، بينما اعتمد على الخبر الطلبي عندما تحدث عن حالته بعد
تعيير هند له ، و
كأنه رأى علامات الشك على محياها فأكد الخبر ب"أن"؛ في حين يحضر الأسلوب
الإنشائي بقوة في الوحدة الأخيرة عندما يتضرع الشاعر إلى الله عز و جل من
خلال النداء : ( يا رب ) و الاستفهام : ( هل حتى المدامع تنضب ؟ هل يبقى
الشقاء مخيما ؟ هل تلد الأيام ما لا أوده؟ ) و الأمر : ( اقض ) ، و قد
انتقلت إلى معنى استلزامي قائم اساسا على الدعاء المقترن بتالرجاء ما دام
الخطاب موجها من الضعيف الأدنى ( الشاعر ) إلى القوي الأعلى ( الله تعالى )
. بينما كان المعنى الاستلزامي لأسلوب الاستفهام في مطلع النص هو الإنكار ،
لأن الشاعر ينكر على نفسه اللعب بعد مرور عامه الخامس عشر .
و يلاحظ هيمنة ضمير المتكلم على جل أطوار القصيدة ( ألعب -
لي - عمري - أهلي - شفائي ....) إلى جانب حضور ضمائر أخرى كضمير الغائب
المؤنث المفرد الذي يعود تارة إلى آمال الشاعر ( بلوغها ) و تارة على أمته (
عليها) و ثالثة على هند
( درتْ ) و رابعة على دمعته ( وجدتها ) ، و كذلك ضمير المخاطب المفرد
المذكر حين يتوجه الشاعر في الوحدة الأخيرة بالدعاء و التضرع إلى الله عز
وجل الحاضر في قلبه و وجدانه : ( تباركت - أنت - اقض ). كما نجد في النص
أسلوب التقديم و التأخير كتقديم الخبر ( لي - عندي ..) في الأبيات الثاني و
الثالث و الرابع ، و تقديم شبه الجمل على الفاعل في قوله : ( ساغ لي طعم -
راق لي نوم ) و كل هذا التقديم كان من أجل لفت الانتباه ، لا سيما و أن
المقدَّم كان يقترن دائما بضمير المتكلم الذي يرتبط بذات الشاعر المكلوم
مما آل إليه واقع أمته.
و هكذا يتضح أن علال الفاسي قد تمثل خطاب الإحياء ، حين تمثَّل
معاني الأسلاف في قصيدته كالجد و الهمة العالية و الارتباط بالجماعة و
الإيمان بالقضاء و القدر إلا أن هذا التمثل لم يكن جامدا و إنما امتزج
بواقع الشاعر البئيس ، كما يظهر هذا التمثل في شكل النص و خصائصه الفنية ، و
ذلك باعتماد الشاعر - كما رأينا - على بحر الطويل و الصور الشعرية
البيانية لا سيما الاستعارة و الكناية. و انطلاقا مما سلف نجزم بصحة
الفرضية التي أشرنا إليها في المقدمة ، مع الإشارة إلى أن العنوان كان
مراوغا لأن العلاقة في النص غير محصورة بين الشاعر و هند كما قد يفهم من
الوهلة الأولى ، بل إن حديثه عن هند لم يتجاوز بيتا
يتيما ، و هذا ما أضفى جمالية على النص ، و حث القارئ على إعادة قراءته من
جديد.
ƒŎŨảḊ.Ḿ- ادارة المنتدى
- الجنـــــــــس :
عدد المساهمات : 1273
النقاط : 1598
تاريخ التسجيل : 18/02/2010
رد: نموذج لتحليل قصيدة شعرية - خطاب الإحياء - قصيدة تعيرني هند لعلال الفاسي
تحليل وتشريح رائع لقصيدة علال الفاسي الذي يمثل تيار البعث والاحياء..
كل الشكر لك اخي فؤاد على مجهوداتك الطيبة والمفيدة
ودمت للرقراق نبعا لا ينضب
لك تحياتي وتقديري
كل الشكر لك اخي فؤاد على مجهوداتك الطيبة والمفيدة
ودمت للرقراق نبعا لا ينضب
لك تحياتي وتقديري
wassan- مديرة التواصل الاداري
- الجنـــــــــس :
عدد المساهمات : 752
النقاط : 1126
تاريخ التسجيل : 21/02/2010
مواضيع مماثلة
» خطاب الإحياء - قصيدة تعيرني هند لعلال الفاسي ...نمودج لتحليل قصيدة
» تحليل نص “الفكر الحزبي” لعلال الفاسي، الكتاب المدرسي(واحة اللغة العربية)، ص: 34 ـ 36.
» قصيدة شعرية
» مدرسة البعت و الإحياء
» منهجية لتحليل مقالة
» تحليل نص “الفكر الحزبي” لعلال الفاسي، الكتاب المدرسي(واحة اللغة العربية)، ص: 34 ـ 36.
» قصيدة شعرية
» مدرسة البعت و الإحياء
» منهجية لتحليل مقالة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى